قوله يَأمُرُهُم فيه ستة أوجه : أحدها : أنَّهُ مستأنف؛ فلا محلَّ له حينئذ، وهو قول الزجاج. والثاني : أنَّهُ خبر ل « الّذينَ » قاله أبُو البقاءِ : وقد ذُكِرَ، أي : وقد ذكره فيه ثمَّة. الثالث : أنَّهُ منصوبٌ على الحال من الهاء في يَجِدُونَهُ، ولا بدَّ من التَّجوز في ذلك، بأن يُجْعَلَ حالاً مقدرة، وقد منع أبو عليِّ أن يكون حالاً من هذا الضَّمير.
قال : لأنَّ الضمير للاسم والذِّكْرِ، والاسم والذِّكر لا يأمران يعني أن الكلام على حذف مضاف كما مر؛ فإن تقديره :« يجدون اسمه، أو ذكره »، والذكر أو الاسم لا يأمران، إنما يأمر المذكور والمسمَّى.
الرابع : أنه حال من النَّبِيِّ. الخامس : أنَّهُ حال من الضَّمير المُسْتكِن في « مَكْتُوباً ». السادس : أنَّهُ مُفَسِّر لِ « مَكْتُوباً » أي : لِمَا كُتِبَ، قاله الفارسي. قال :« كَمَا فَسَّرَ قوله ﴿ وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ ﴾ [ المائدة : ٩ ] [ النور : ٥٥ ] [ الفتح : ٢٩ ] بقوله :﴿ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [ المائدة : ٩ ]، وكما فسَّر المثل في قوله تعالى :﴿ إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله كَمَثَلِ آدَمَ ﴾ [ آل عمران : ٥٩ ] بقوله :﴿ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ﴾ [ آل عمران : ٥٩ ].
وقال الزَّجَّاجُ هنا : ويجوزُ أن يكون المعنى : يجدونه مكتوباً عندهم أنَّهُ يأمرهم بالمعروف وعلى هذا يكون الأمرُ بالمعروف، وما ذُكِر معه من صفته التي ذُكِرت في الكتابين، وقد استدرك أبُو علي هذه المقالة، فقال : لا وجه لقوله :» يجدونه مكتوباً عندهم أنَّهُ يأمرهم بالمعروف « إن كان يعني أنَّ ذلك مرادٌ؛ لأنَّهُ لا شيء يَدُلُّ على حذفه، ولأنَّا لا نعلمهم أنهم صدقوا في شيء، وتفسير الآية أنَّ » وجدت « فيها تتعدَّى لمفعولين فذكر نحو ما تقدم عنه.
قال شهابُ الدِّينِ : وهذا الردُّ تحاملٌ منه عليه؛ لأنَّهُ أراد تفسير المعنى وهو تفسير حسن.
فصل
لمَّا بيَّن صفة من تكتب له الرحمة في الدُّنيا والآخرة وهو أن يكون مُتقياً ويؤتي الزكاة، ويؤمن بالآيات، ضمّ إلى ذلك أن يكون مُتَّبِعاً للنبي » الأمِّي الذي يجدُونَهُ مكْتُوباً عندهُمْ في التَّوراةِ والإنجيلِ « واختلفوا في ذلك.
فقال بعضهم : المراد باتباعه اعتقاد نبوته من حيث وجدوا صفته ولا يجوز أن يتبعوه في شرائعه قبل بعثته.
وقيل في قوله : والإنجيل أن المراد وسيجدونه مكتوباً في الإنجيل؛ لأنَّ من المُحَالِ أن يجدوه فيه قبل ما أنزل اللَّهُ الإنجيل.
وقيل المراد بهم : مَنْ لَحِقَ من بني إسرائيل أيَّام الرسول - ﷺ - فبيَّنَ تعالى أن هؤلاء اللاحقين لا يكتب لهم رحمة الآخرة إلاَّ إذا اتبعوا الرسول الأمِّيَّ، وهذا هو الأقرب، لأن اتباعه قبل بعثته لا يمكن.
ووصف هذا النبي بتسع صفات :
الأأولى : كونه رسولاً، وهو في العُرفِ من أرسله اللَّهُ إلى الخلق لتبليغ التَّكاليف.
الثاني : كونه نبيّاً، وهو الرفيع القدر عند الله تعالى.