وهذا يجيءُ على قول من قال : إنَّه لم يكن في عسكر رسول الله ﷺ خبال، كذا قال أبو حيان. وفيه نظرٌ؛ لأنه إذا لم يكن في العسكر خبال أصلاً، فكيف يُسْتثنى شيءٌ لم يكن ولم يتوهَّمْ وجوده؟. وتقدم تفسير « الخبال » في آل عمران. قال الكلبيُّ : إلاَّ شراً وقال يمان : إلاَّ مكراً، وقيل : إلاَّ غيّاً، وقال الضحاك : إلاَّ غَدْراً.
وقرأ ابن أبي عبلة :« ما زادكُمْ إلاَّ خَبَالاً »، أي : ما زادكم خروجهم.
قوله :﴿ ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ ﴾. الإيضاعُ : الإسراعُ، يقال : أوضع البعيرُ، أي : أسرعَ في سيرهِ؛ قال امرؤ القيس :[ الوافر ]
٢٧٨٧- أرَانَا مُوضِعينَ لأمْرِ عَيْبٍ... ونُسْحَرُ بالطَّعامِ وبالشَّرابِ
وقال آخر :[ منهوك الرجز ]
٢٧٨٨- يَا لَيْتنِي فيهَا جَذَعْ... أخُبُّ فيها وأضَعْ
ومفعول :« أوْضَعُوا » محذوف، أي : أوضعوا ركائبهم؛ لأنَّ الراكبَ أسرعُ من الماشي.
قال الواحديُّ « قال أكثر أهل اللُّغةِ : إن الإيضاع حمل البعير على العدو، ولا يجوزُ أن يقال : أوضع الرَّجلُ إذا سار بنفسه سَيْراً حثيثاً. يقال : وضع البعيرُ : إذا عدا، وأوضعه الراكب : إذا حمله عليه ».
وقال الفرَّاءُ :« العرب تقول : وضعتْ النَّاقةُ، وأوضع الراكبُ، وربَّما قالوا للرَّاكب : وضَعَ ».
وقال الأخفشُ وأبو عبيد : يجوزُ أن يقال : أوضع الرَّجُلُ : إذا سار بنفسه سيراً حثيثاً من غير أن يراد وضع ناقته. روى أبو عبيد أنَّ النبي ﷺ « أفاض من عرفة وعليه السَّكينة وأوضعَ في وادي مُحَسِّر ». قال الواحديُّ « والآية تشهد لقول الأخفشِ وأبي عبيد » والمراد من الآية : السَّعي بينهم بالعداوة والنميمة.
و « الخِلال » جمع « خَلَل »، وهو الفُرْجَةُ بين الشيئين. ومنه قوله :﴿ فَتَرَى الودق يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ ﴾ [ النور : ٤٣ ]، وقرىء « مِنْ خلله » وهي مخارج صب القطر. ويستعار في المعاني فيقال : في هذا الأمْر خلل.
وقرأ مجاهدٌ، ومحمد بن زيدٍ « ولأوْفَضُوا »، وهو الإسراع أيضاً؛ من قوله تعالى :﴿ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ﴾ [ المعارج : ٤٣ ].
وقرأ ابنُ الزبير « ولأرْفَضُوا » بالفراء والفاء والضاد المعجمة، من : رفض، أي : أسرع أيضاً؛ قال حسَّان :[ الكامل ]
٢٧٨٩- بِزُجَاجةٍ رفَضَتْ بِمَا فِي جَوْفِهَا... رَفَضَ القَلُوصِ بِراكبٍ مُسْتعْجِلِ
وقال :[ الكامل ]
٢٧٩٠-................................. والرَّافِضَاتِ إلى مِنى فالغَبْغَبِ
يقال : رَفَضَ في مشيه رفْضاً، ورَفَضاناً.
فإن قيل : كتب في المصحفِ « ولاَ أوْضَعُوا » بزيادة ألف. أجاب الزمخشريُّ « أنَّ الفتحة كانت تُكْتَب ألفاً قبل الخطِّ العربي، والخطُّ العربي اخترع قريباً من نزول القرآن، وقد بقى من ذلك الألف أثرٌ في الطباع، فكتبوا صورة الهمزة ألفاً، وفتحتها ألفاً أخرى، ونحوه ﴿ أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ ﴾ [ النمل : ٢١ ]. يعني : في زيادة الألف بعد » لا « وهذا لا يجوزُ القراءةُ به ومن قرأ به متعمداً بكفّر ».
قوله :« يَبْغُونَكُمُ » في محلِّ نصبٍ على الحالِ، من فاعل « أوْضَعُوا » أي : لأَسْرعُوا فيما بينكم، حال كونهم باغين، أي : طالبين الفتنة لكم، ومعنى الفتنة : افتراقُ الكلمة.