« قد أذنت لك »، فأنزل الله تعالى :﴿ وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ائذن لِّي ﴾ الآية.
قوله :﴿ أَلا فِي الفتنة سَقَطُواْ ﴾ أي : في الشّرك والإثم وقعوا بنفاقهم، وخلافهم أمر الله ورسوله.
وفي مصحف أبي « سَقَطَ » لأنَّ لفظة « مِنْ » موحد اللفظ، مجموع المعنى، وفيه تنبيه على أنَّ مَنْ عصى الله لغرض، فإنَّهُ تعالى يبطل عليه ذلك الغرض؛ لأنَّ القوم لمَّا اختاروا القعود لئلا يقعوا في الفتنة، بيَّن اللهُ تعالى أنهم واقعون ساقطون في عينِ الفتنة - ثم قال ﴿ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بالكافرين ﴾ مطبقة عليهم.
قوله :﴿ إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ ﴾ نصر وغنيمة « تَسُؤهُمْ » تُحزنهم، يعني المنافقين ﴿ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ ﴾ نكبة وشدة ومكروه، يفرحوا، و ﴿ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ ﴾ أي : حذرنا، « ويتَولَّوا » يدبروا عن مقام التحدث بذلك إلى أهليهم ﴿ وَّهُمْ فَرِحُونَ ﴾ مسرورون.
ونقل عن ابن عبَّاسٍ « أنَّ الحسنة في يوم بدرٍ، والمصيبة في يوم أحدٍ، فإن ثبت أنَّ المراد هذا بخبر وجب المصير إليه، وإلاَّ فالواجب حمله على كل حسنة، وعلى كل مصيبة ».
قوله :﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَآ ﴾ قال عمر بن شقيق : سمعت « أعين » قاضي الرَّيِّ يقرأ « لن يُصيبنَّا » بتشديد النون.
قال أبُو حاتم : ولا يجوزُ ذلك؛ لأنَّ النُّونَ لا تدخلُ مع « لَنْ »، ولو كانت لطلحة بن مصرف، لجاز، لأنها مع « هل »، قال الله تعالى ﴿ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ﴾ [ الحج : ١٥ ].
يعني أبو حاتم : أنَّ المضارع يجوز توكيده بعد أداة الاستفهام، وابن مصرف يقرأ « هَلْ » بدل « لَنْ »، وهي قراءة ابن مسعود. وقد اعتذر عن هذه القراءة بأنَّها حملت « لن » على « لم » و « لا » النافيتين، و « لم » و « لا » يجوز توكيد الفعل المنفيِّ بعدهما.
أمَّا « لا » فقد تقدم تحقيق الكلام عليها في الأنفال. وأما « لم » فقد سمع ذلك فيها؛ وأنشدوا :[ الرجز ]
٢٧٩٢- يَحْسَبُهُ الجَاهِلُ مَا لَمْ يَعْلمَا | شَيْخاً عَلَى كُرسيِّهِ مُعَمَّمَا |
أراد :
« يَعْلمَنْ » فأبدل الخفيفة ألفاً بعد فتحة، كالتنوين. وقرأ القاضي أيضاً، وطلحة
« هَلْ يُصَيِّبنا » بتشديد الياء. قال الزمخشريُّ : ووجهه أن يكون
« يُفَيْعِل » لا
« يُفَعِّل » لأنَّهُ من ذوات الواو، كقولهم : الصَّواب، وصَابَ يَصوبُ، ومَصَاوب، في جمع
« مصيبة » فحقُّ
« يُفَعِّل » منه
« يُصَوِّب »، ألا ترى إلى قولهم : صوَّب رأيه، إلاَّ أن يكون لغة من يقول : صَابَ السَّهْمُ يصيبُ؛ كقوله :[ المنسرح ]
٢٧٩٣-............................. | أسْهُمِيَ الصَّائِبَاتُ والصُّيُبُ |
يعني : أن أصله
« يُصَوْيب » فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياءً، وأدغم فيها.