أي : يموتون على الكفر.
قوله :﴿ وَيَحْلِفُونَ بالله إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ ﴾ على دينكم ﴿ وَمَا هُم مِّنكُمْ ﴾ أي : ليسوا على دينكم ﴿ ولكنهم قَوْمٌ يَفْرَقُونَ ﴾ يخافون أن يظهروا ما هم عليه فيقتلوا.
قوله :﴿ لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً أَوْ مَغَارَاتٍ ﴾. « المَلْجَأ » : الحِصْن. وقال عطاءٌ : المَهْرب وقيل : الحِرْز وهو « مَفْعَل »، مِنْ : لَجَأ إليه، يلجأ، أي : انحاز. يقال : ألجَأتُهُ إلى كذا أي : اضطررته إليه فالتَجَأ. و « الملجأ » يصلحُ للمصدر، والزمان، والمكان. والظَّاهرُ منها - المكان. و « المغارات » جمع « مغارة »، وهي الموضع الذي يغور الإنسان فيه، أي : يستقر. وقال أبُو عبيدٍ : كل شيءٍ جزتَ فيه فغبتَ فهو مغارة لك، ومنه : غار الماء في الأرض، وغارت العين. وهي مفعلة، مِنْ : غَارَ يغُورُ، فهي كالغَار في المعنى. وقيل : المغارة : السِّرْب، كنفق اليربوع.
والغار : النَّقْبُ في الجبل. والجمهورُ على فتح ميم « مغارات ». وقرأ عبدُ الرحمن بن عوف « مُغارات » بالضم، وهو من : أغار، و « أغار » يكون لازماً، تقول العربُ :« أغار » بمعنى « غار » أي : دخل. ويكون متعدّياً، تقول العرب : أغرت زيداً، أي : أدخلته في الغار، فعلى هذا يكون من « أغار » المتعدِّي، والمفعول محذوف، أي : أماكنُ يغيرون فيها أنفسهم، أي : يُغَيِّبُونها. و « المُدَّخل » :« مُفْتَعَل » مِنَ : الدخول، وهو بناء مبالغة في هذا المعنى، والأصل :« مُدْتَخل » فأدغمت « الدال » في « تاء » الافتعال ك :« ادَّانَ » من « الدَّين ». وقرأ قتادة، وعيسى بن عمر، والأعمش « مُدَّخَّلاً » بتشديد الدال والخاء معاً. وتوجيهها أن الأصل « مُتدَخَّلاً »، من : تدخَّل « بالتَّضعيف، فلمَّا أدغمت التاء في الدال صار اللفظ » مُدخَّلاً « نحو » مُدَّيَّن « من » تَديَّن «.
وقرأ الحسنُ أيضاً، ومسلمةُ بن محاربٍ، وابن أبي إسحاق، وابن محيصن، وابن كثير، في رواية » مَدْخَلاً « بفتح الميم وسكون الدال وفتح الخاء خفيفة، مِنْ » دخل «. وقرأ الحسنُ في رواية محبوب كذلك، إلاَّ أنه ضمَّ الميم، جعله من » أدخل «. وهذا من أبدع النَّظم، ذكر أولاً الأمر الأعم، وهو » الملجأ « من أي نوع كان، ثم ذكر الغيران التي يُخْتفى فيها في أعلى الأماكن، وهي الجبالُ، ثم ذكر الأماكن التي يختفى فيها في الأماكن السافلة، وهي السُّروب، وهي التي عبَّر عنها ب » المُدَّخل «. وقال الزجاج : يصحُّ أن تكون » المغارات « من قولهم :» حَبل مُغار « أي : محكم الفتل، ثم يستعار ذلك في الأمر المحكم المبرم فيجيء التأويل على هذا : لو يجدون نصرة، أو أموراً مشددة مرتبطة تعصمهم منكم وجعل » المُدَّخَل « أيضاً قوماً يدخلون في جملتهم.