قال الأصمُّ أظهر الله عن المنافقين وجوه كفرهم التي كانوا يسرونها، لتكون حجة للرسول، ولينزجروا، فقال :﴿ وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصدقات ﴾ [ التوبة : ٥٨ ] ﴿ وَمِنْهُمُ الذين يُؤْذُونَ النبي ﴾ [ التوبة : ٦١ ] ﴿ وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ الله ﴾ [ التوبة : ٧٥ ] إلى غير ذلك من الإخبار عن الغيوب، وكل ذلك دليل على كونه نبياً حقاً من عند الله.
ومعنى « أذنٌ » أي : أنَّه ليس له ذكاء ولا بعد غور، بل هو سليمُ القلبِ، سريع الاغترار بكل ما يسمع.
قوله :﴿ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ ﴾ « أذُنُ » خبر مبتدأ محذوف، أي : قل هو أذُنُ خيرٍ والجمهور على جَر خَيْرٍ بالإضافة، وقرأ الحسنُ، ومجاهدٌ، زيد بن علي وأبو بكر عن عاصم « أذُنٌ » بالتنوين، « خَيْرٌ » بالرفع، وفيها وجهان :
أحدهما : أنَّها وصف « أذُن ».
والثاني : أن يكون خبراً بعد خبر، و « خير » يجوزُ أن يكون وصفاً، من غير تفضيل، أي : أذُنٌ ذُو خير لكم، ويجوزُ أن يكون للتفضيل - على بابها - أي : أكثر خيراً لكم. وجوَّز صاحب اللوامح أن يكون « أذُن » مبتدأ، و « خَيْر » خبرها، وجاز الابتداءُ هنا بالنكرة؛ لأنَّها موصوفةٌ تقديراً، أي : أذُنٌ لا يؤاخذكم من أذُنٍ يؤاخذكم، ويقال : رجَلٌ أذنٌ، أي : يسمع كل ما يقال، وفيه تأويلان :
أحدهما : أنَّهُ سُمِّي بالجارحة؛ لأنَّها آلة السماع، وهي معظم ما يقصد منه؛ كقولهم للربيئة : عَيْنٌ.
وقيل : المرادُ ب « الأذُن » هنا الجارجة، وحينئذٍ يكونُ على حذفِ مضاف أي : ذُو أذن.
والثاني : أنَّ الأذن وصفٌ على « فُعُل »، ك « أنُف » و « شُلُل » يقال : أذِنَ يَأذَن، فهو أذُن؛ قال :[ الطويل ]

٢٨٠٤- وَقَدْ صِرْت أذْناً لِلوُشَاةِ سَمِيعَةً يَنالُونَ مِنْ عِرْضي ولوْ شِئْت ما نَالُوا
ومعنى قراءة عاصم : إن كان تقولون إنَّهُ أذُنٌ، فأذن خير لكم، يقبل منكم ويصدقكم خير لكم من أن يكذبكم. ومعنى قراءة الجرِّ : أي : هو أذُنُ خير، لا أذُنُ شر وقرأ نافع « أذْن » ساكنة الذَّال في كلِّ القرآن، والباقون بالضَّم وهما لغتان مثل : عنق وظفر.
ثم بيَّن كونه « أذُنُ خَيْرٍ » بقوله :﴿ يُؤْمِنُ بالله وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ ﴾ فجعل تعالى هذه الثلاثة كالموجبة لكونه ﷺ « أذُنُ خَيْرٍ »، أمَّا قوله ﴿ يُؤْمِنُ بالله ﴾ فلأنَّ كلَّ من آمن بالله كان خائفاً من الله، والخائف من الله لا يؤذي بالباطل. ويُؤمِنُ للمؤمنينَ أي : يسلمُ للمؤمنين قولهم، إذا توافقُوا على قولٍ واحدٍ وهذا بيان كونه سليم القلب.
فإن قيل : لِمَ عدي الإيمان باللهِ بالباءِ، وإلى المؤمنين باللاَّم؟.
فالجواب : أنَّ المراد بالإيمان بالله، المراد منه : التَّصديق الذي هو نقيض الكفر فعدي بالباء والإيمان المعدَّى إلى المؤمنين، معناه : الاستماع منهم والتسليم لقولهم فعدي باللاَّم، كقوله :


الصفحة التالية
Icon