قوله :﴿ أَلَمْ يعلموا أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ الله وَرَسُولَهُ ﴾ الآية.
والمقصود من هذه الآية : شرح أحوال المنافقين الذين تخلَّفوا عن غزوة تبوك.
قرأ الجمهور « يَعْلمُوا » بياء الغيبة، رَدّاً على المنافقين، وقرأ الحسنُ، والأعرجُ « تَعْلَمُوا » بتاء الخطاب، فقيل : هو التفاتٌ من الغيبة إلى الخطابِ إن كان المرادُ المنافقين.
وقيل : الخطاب للنبي ﷺ وأتى بصيغةِ الجمع تعظيماً؛ كقوله :[ الطويل ]
٢٨٠٧ - فإنْ شِئْتُ حرَّمْتُ النِّساءَ سِواكُمُ | ............................. |
وعلى الثاني يكون للتعجب من حالهم، وعلى الثالث يكون للتقرير. والعلم هنا : يحتمل أن يكون على بابه، فتسدَّ « أن » مسدَّ مفعولين عند سيبويه، ومسدَّ أحدهما والآخرُ محذوفٌ عند الأخفش.
وأن يكون بمعنى العرفان، فتسدَّ « أنَّ » مسدَّ مفعوله. و « مَنْ » شرطيَّة، و « فأنَّ لهُ نار » جوابها. وفتحت « أنَّ » بعد الفاءِ، لما تقدَّم في الأنعام. والجملةُ الشرطيةُ في محلِّ رفعِ خبر « أنَّ » الأولى وهذا تخريجٌ واضحٌ. وقد عدل عن هذا التخريج جماعة إلى وجوهٍ أخر، فقال الزمخشريُّ « ويجوزُ أن يكون » فأنَّ لَهُ « معطوفاً » أنَّه « على أنَّ جواب » مَنْ « محذوفٌ، تقديره : ألم يعلموا أنَّه من يُحادد الله ورسوله يهلكْ، فأنَّ لهُ نَار جَهَنَّمَ » وقال الجرمي والمبرد :« أنَّ » الثانية مكررةٌ للتَّوكيد، كأن التقدير : فلهُ نارُ جهنم، وكُرِّرت « أنَّ » توكيداً، وشبَّهه أبو البقاء بقوله تعالى :﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السواء ﴾ [ النحل : ١١٩ ] ثم قال :﴿ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا ﴾ [ النحل : ١١٩ ]، قال : والفاءُ على هذا جوابُ الشرط. وردَّ أبو حيان على الزمخشري قوله : بأنَّهم نصُّوا على أنَّه إذا حذف جوابُ الشَّرطِ، لزمَ أن يكون فعلُ الشرط ماضياً، أو مضارعاً مقروناً ب « لَمْ »، والجوابُ على قوله محذوفٌ وفعل الشَّرطِ مضارعٌ غير مقترنٍ ب « لَمْ » وأيضاً فإنَّا نجدث الكلامَ تامّاً بدون هذا الذي قدَّره.
ونُقل عن سيبويه أنَّه قال : الثانيةُ بدلٌ من الأولى. وهذا لا يصحُّ عن سيبويه، فإنَّه ضعيفٌ، أو ممتنع، وقد ضعفه أبو البقاءِ بوجهين :
أحدهما : أنَّ الفاء تمانعُ من ذلك والحكمُ بزيادتها ضعيفٌ.
والثاني : أنَّ جعلها بدلاً يوجب سقوط جواب « مَنْ » من الكلام. وقال ابنُ عطية « وهذا يُعترضُ بأنَّ الشَّيء لا يبدل منه حتى يستوفى، والأولى في هذا الموضع لم يأتِ خبرها بعد، إذ لم يأتِ جوابُ الشَّرط، وتلك الجملةُ هي الخبرُ، وأيضاً فإنَّ الفاء تُمانعُ البدل، فهي معنى آخر غير ابلدل فيقلقُ البدل ».