وقال بعضهم : فتحت على تقدير اللام، أي : فلأنَّ لهُ نار جهنم. وهذه كلُّها تكلُّفاتٌ، لا يحتاج إليها.
فالأولى ما تقدم ذكره، وهو أن يكون « أنَّ لهُ نارَ جهنَّمَ » في محل رفع بالابتداء والخبر محذوفٌ، وينبغي أن يقدِّرَهُ متقدماً عليها، كما فعل الزمخشريُّ، وغيرُه، أي : فحقٌّ أنَّ لهُ نار جهنَّم. وقدَّرهُ غيره متأخراً، أي : فأنَّ له نار جهنَّمَ واجبٌ، كذا قدَّره الأخفش وردُّوه عليه بأنَّها لا يبتدأ بها.
وهذا لا يلزمه، فإنَّه يجيز الابتداء ب « أنَّ » المفتوحةِ من غير تقديم خبره. وغيره لا يجيز الابتداء بها إلاَّ بشرطِ تقدُّم « أمَّا »، نحو : أمَّا أنك ذاهبٌ فعندي، أو بشرط تقدُّم الخبر، نحو : عندي أنَّك منطلق. وقيل :« فأنَّ لهُ » خبرُ مبتدأ محذوفٍ أي : فالواجبُ أنَّ لهُ، وهذه الجملةُ التي بعد الفاء مع الفاءِ في محلِّ جزم، جواباً للشَّرط. وقرأ أبو عمرو فيما رواه أبو عبيدة، والحسن، وابن أبي عبلة :« فإنَّ » بالكسر وهي قراءةٌ حسنةٌ قوية، تقدَّم أنَّهُ قرأ بها بعضُ السبعة في الأنعام، وتقدَّم هناك توجيهها.
والمحادّة : المخالفةُ، والمعاندةُ، ومجاوزةُ الحدِّ، والمعاداة. قيل : مشتقةٌ من الحد وهو حدُّ السِّلاح الذي يحاربُ به من الحديد. وقيل : من الحد الذي هو الجهةُ كأنه في حدِّ غير حدِّ صاحبه كقولهم : شاقَّه، أي : كان في شقٍّ غير شقِّ صاحبه وعاداه، أي : كان في عدوة غير عدوته. قال ابن عباس : معناه : يخالف الله وقيل : يحارب الله، وقيل : يعاند الله، وقيل : يعادي الله.
واختار بعضهم قراءة الكسر، بأنَّها لا تحوج إلى إضمار، ولم يُرْوَ قوله :[ الوافر ]

٢٨٠٨- فَمَنْ يَكُ سَائِلاً عَنِّي فإنِّي وجِرْوةَ لا تُعارُ ولا تُبَاعْ
إلاَّ بالكسرِ.
وهذا غيرُ لازمٍ، فإنَّه جاء على أحد الجائزين، و « خَالِداً » نصبٌ على الحال.
قال الزجاج :« ويجوز كسر » أنّ « على الاستئناف بعد الفاءِ ». وجهنم : من أسماء النار وحكى أهل اللغة عن العربِ : أنَّ البئر البعيدة القعر تسمى الجهنام، فيجوزُ أن تكون مأخوذة من هذا اللفظ، ومعنى بعد قعرها أنَّه لا آخر لعذابها، وتقدم معنى الخلود، والخزي : قد يكون بمعنى النَّدم، وبمعنى الاستحياء، والمراد به ههنا : النَّدم، لقوله :﴿ وَأَسَرُّواْ الندامة لَمَّا رَأَوُاْ العذاب ﴾ [ يونس : ٥٤ ].
قوله تعالى :﴿ يَحْذَرُ المنافقون ﴾ الآية.
قال قتادة « هذه السُّورة كانت تُسمَّى الفاضحة، والحافرة، والمبعثرة، والمثيرة، أثارت مخازيهم ومثالبهم » قال ابن عباسٍ :« أنزل اللهُ تعالى ذكر سبعين رجلاً من المنافقين بأسمائهم، وأسماء آبائهم، ثم نسخ ذكر الأسماء رحمة على المؤمنين، لئلاَّ يُعيّر بعضهم بعضاً؛ لأن أولادهم كانوا مؤمنين ».
وقال الجبائيُّ :


الصفحة التالية
Icon