« اجتمع اثنا عشر رجلاً من المنافقين على النِّفاقِ، وأخبر جبريل الرسول بأسمائهم، فقال ﷺ :» إنَّ أناساً اجتمعُوا على كَيْت وكَيْت، فليقُومُوا وليعتَرِفُوا وليسْتغفِرُوا ربَّهم حتَّى أشفع لهُمْ « فلم يقوموا، فقال ﷺ بعد ذلك » قُمْ يا فلانُ ويا فلانُ « حتى أتى عليهم ثم قالوا : نعترف ونستغفر فقال :» الآن أنَا كُنْتُ في أوَّل الأمْرِ أطيب نَفْساً بالشَّفَاعةِ، والله كانَ أسْرعَ في الإجابةِ، اخرُجُوا عنِّي « فلم يزلْ يقول حتى خرجوا بالكليَّةِ. »
وقال الأصمُّ : إنَّ « عند رجوع النبي ﷺ من تبوك وقف له على العقبة اثنا عشر رجلاً ليفتكوا به؛ فأخبره جبريل، وكانوا متلثمين في ليلة مظلمة، وأمره أن يرسل إليهم من يضرب وجوه رواحلهم، فأمر حذيفة بذلك فضربها حتى نحاهم ثم قال :» مَنْ عرفت من القوْمِ « ؟ فقال : لم أعرف منهم أحداً، فذكر النبيُّ ﷺ أسماءهم وعدهم له، وقال :» إنَّ جبريل أخبرني بذلك « فقال حذيفة : ألا تَبْعَثُ إليه فتقتلهم، فقال :» أكره أن تقول العرب قاتل أصحابه حتَّى إذا ظفر صار يقتلهم، بل يَكْفِينَاهُمُ اللهُ بالدبيلة «.
فإن قيل : الكافرُ منافق، فكيف يحذرُ نزول الوحي على الرسول - ﷺ -؟ فالجوابُ، من وجوه :
أحدها : قال أبُو مسلم :»
هذا حذر أظهرهُ المنافقون استهزاء حين رأوا الرَّسُول - ﷺ - يذكر كلَّ شيء ويدعي أنَّهُ عن الوحي، وكان المنافقُون يكذبون بذلك فيما بينهم، فأخبر الله رسوله بذلك، وأمره أن يعلمهم أنَّه يظهر سرهم الذي حذروا ظهره، ويدلُّ على ذلك قوله : استَهْزئُوا «.
وثانيها : أنَّ القوم وإن كانوا كافرين بدين الرسول إلا أنَّهم شاهدوا أنَّ الرسول - ﷺ - كان يخبرهم بما يفسرونه، فلهذه التجربة وقع الحذر والخوف في قلوبهم.
وثالثها : قال الأصمُّ : إنَّهم كانوا يعرفونه كونه رسولاً حقاً من عند الله، إلاَّ أنَّ كفرهم كان حسداً وعناداً.
ورابعها : معنى الحذر الأمر بالحذر، أي : ليحذر المنافقون ذلك.
وخامسها : أنَّهم كانُوا شاكين في صحَّة نبوته، والشَّاك خائف، فلهذا خافوا أن ينزل عليه في أمرهم ما يفضحهم.
قوله :»
أَن تُنَزَّلَ « مفعولٌ به، ناصبه » يَحْذَرُ «، فإنَّ » يَحْذَرُ « متعدٍّ بنفسه كقوله تعالى :﴿ وَيُحَذِّرْكُمُ الله نَفْسَهُ ﴾ [ آل عمران : ٢٨ ]، لولا أنه متعدِّ في الأصل لواحدٍ، لما اكتسب بالتضعيف مفعولاً ثانياً؛ ويدلُّ عليه أيضاً ما أنشده سيبويه :[ الكامل ]

٢٨٠٩- حَذِرٌ أمُوراً لا تَضِيرُ وآمِنٌ مَا لَيْسَ مُنْجِيَهُ مِنَ الأقْدَارِ
وفي البيت كلامٌ، قيل : إنه مصنوع. وقال المبردُ : إنَّ » حَذِر « لا يتعدَّى، قال : لأنَّهُ من هيئات النفس، ك » فَزع «. وهذا غير لازم. فإنَّ لنا من هيئات النفس ما هو متعدٍّ ك :» خاف «، وخشي، فإنَّ » تُنَزَّل « عند المبرد على إسقاط الخافض أي : مِنْ أن تُنَزَّل.


الصفحة التالية
Icon