وقوله :« تُنَبِّئُهُمْ » في موضع الرفع صفةً ل « سورة ».
قال الزمخشريُّ « الضميرُ في قوله » عليهم « و » تنبّئهم « للمؤمنين، و » في قُلُوبهمْ « للمنافقين، ويجوزُ أيضاً أن تكون الضمائرُ كلها للمنافقين؛ لأنَّ السُّورة إذا نزلت في معناهم فهي نازلة عليهم، ومعنى » تُنبِّئُهم بما في قلوبهم « أنَّ السورة كأنَّها تقول لهم في قلوبكم كيت وكيت، يعني أنَّها تذيع أسرارهم إذاعة ظاهرة فكأنَّها تخبرهم بها ».
ثم قال :﴿ قُلِ استهزءوا ﴾ هذا أمر تهديد، ﴿ إِنَّ الله مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ ﴾.
قوله تعالى :﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ﴾ الآية.
قال الكلبي، ومقاتل، وقتادةُ :« إنَّ النبي ﷺ كان يسير في غزوة تبوك وبين يديه ثلاثة نفر من المنافقين، اثنان يستهزئان بالقرآن والرسول، والآخر يضحك.
قيل : كانوا يقولون : إنَّ محمداً يزعم أنه يغلب الروم، ويفتح مدائنهم، هيهات هيهات ما أبعده عن ذلك.
وقيل : كانوا يقولون : إنَّ محمداً يزعمُ أنَّهُ نزل في أصحابنا المقيمين بالمدينة قرآن، وإنما هو قوله وكلامه، فأطع اللهُ نبيهُ ﷺ على ذلك فقال :»
احبسُوا الرَّكبَ عليَّ « فدعاهُم وقال لهُم :» قُلْتُم كذا وكذا « فقالوا : إنَّما كُنَّا نتحدثُ ونخوض في الكلامِ، كما يفعلُ الرَّكبُ لقطع الطريق بالحديث واللعب. »
قال ابن عمر :« رأيتُ عبد الله بن أبيّ يشتد قدام النبي ﷺ والحجارة تنكيه، وهو يقولُ :» إنَّما كُنَّا نخوضُ ونلعبُ «. ورسول الله ﷺ يقول » أباللهِ وآياتهِ ورسولهِ كُنتُم تَسْتهزِئُونَ «. ولا يلتفتُ إليه. »
وقال أبُو مسلم : قوله :﴿ يَحْذَرُ المنافقون أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم ﴾ التوبة : ٦٤ إنَّ القوم أظهروا هذا الخبر استهزاء، فبيَّن تعالى في هذه الآية أنَّهُ إذا قيل لهم : لِمَ فعلتُم ذلك؟ قالوا : لم نقل ذلك إلاَّ لأجل أنا كنا نخوض ونلعب.

فصل في بيان أصل الخوض


قال الواحديُّ : أصل الخوض الدخول في مائع مثل الماء والطين، ثم كثر حتى صار اسماً لكل دخول فيه تلويث وأذى، والمعنى : إنَّما كُنَّا نخوضُ في الباطل من الكلام كما يخوض الركب لقطع الطريق، فأجابهم الرسولُ بقوله :« أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ».
قوله :«... أباللهِ... » متعلقٌ بقوله :« تَستهْزئُونَ ». و « تَسْتهْزِئُونَ » خبرُ « كان » وفيه دليلٌ على تقديم خبر « كان » عليها؛ لأنَّ تقديم المعمول يؤذن بتقديم العامل، وقد تقدَّم معمول الخبر على « كان » فليَجُزْ تقديمه بطريق الأولى.


الصفحة التالية
Icon