والرابع : أنَّ « الذي » تقعُ مصدرية، والتقدير : وخضتم خوضاً. ومثله :[ البسيط ]
٢٨١٢- فَثَبَّتَ الهُ ما آتَاكَ مِنْ حسبٍ | في المُرسلينَ ونَصْراً كالَّذِي نُصِرُوا |
٢٨١٣- يَا أمَّ عَمْرو جَزاكِ اللهُ مَغْفِرةً | رُدِّي عليَّ فُؤادِي كالذي كَانَا |
فصل
معنى الآية : إنَّكُم فعلتم كفعل الذين من قبلكم، بالعدولِ عن أمر الله والأمر بالمنكر، والنهي عن المعروف، وقبض الأيدي عن الخيرات، و ﴿ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً ﴾ بَطْشاً ومنعَةً، ﴿ وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً ﴾ إنما استمتعوا مدة بالدُّنيا، باتباع الشَّهوات، ورضوا به عوضاً عن الآخرة، ﴿ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ ﴾، والخلاق : النصيب وهو ما قدر للإنسان من خير. ﴿ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ ﴾ وسلكتم سبيلهم « وخُضْتُم » في الباطلِ والكذب على الله وتكذيب رسله، والاستهزاء بالمؤمنين، « كالذي خاضوا » أي : كما خاضوا.
﴿ أولئك حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدنيا والآخرة ﴾ أي : بطلت حسناتهم في الدُّنيَا بسبب الموت والفقر والانتقال من العزِّ إلى الذُّل ومن القوة إلى الضَّعْفِ، وفي الآخرة؛ لأنَّهُم لا يثابون بل يعاقبون أشد العقاب. ﴿ َأُوْلَئِكَ هُمُ الخاسرون ﴾ حيثُ أتعبوا أنفسهم في الردِّ على الأنبياء، ولم يجدوا منه إلا فوات الخير في الدُّنيا والآخرة، فكما حبطت أعمالهم وخسروا حبطت أعمالكم وخسرتم.
روى أبو سعيد الخدري عن النبي ﷺ :« لتتَّبِعُنَّ سُنَنَ من قبلكمُ شِبْراً بِشبرٍ، وذِرَاعاً بذرَاع، حتَّى إذا دخلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لاتَّبعْتُموهُمْ » قيل : يا رسول الله اليهود والنصارى قال :« فَمَنَّ؟ » وفي رواية أبي هريرة : فهل النَّاسُ إلاَّ هُمْ؟ فلهذا قال في المنافقين « بَعْضُهم من بَعْضٍ »، وقال في المؤمنين :« بَعْضُهمْ أولياءُ بَعْض » أي : في الدِّين واتفاق الكلمة، والعون، والنصرة، « يَأْمُرُونَ بالمَعْرُوفِ » بالإيمان والطَّاعة والخير، وقد تقدَّم الكلام على « يَأمُرونَ بالمَعْرُوفِ ».