[ المنافقون : ٨ ]. وأراد به الرسول - عليه الصَّلاة والسلام -، فسمع زيدُ بنُ أرقم ذلك وبلغه إلى الرسول - ﷺ -، فهمَّ عمرُ بقتل عبد الله بن أبيّ، فجاء عبد الله وحلف أنَّهُ لم يقل فنزلت الآية. وقال القاضي : الأولى أن تحمل هذه الآية على ما روي أنَّ المنافقين همُّوا بقتله عند رجوعه من تبوك، وهم خسمة عشر رجلاً تعاهدوا أن يدفعوه عن راحلته إلى الوادي باللَّيل، وكان عمَّار بن ياسر آخذاً بخطام راحلته وحذيفة خلفها يسوقها، فسمع حذيفة وقع أخفاف الإبل، وقعقة السلاح، فالتفت، فإذا قوم متلثمُون. فقال : إليكم يا أعداء الله، فهربوا والظَّاهر أنهم لمَّا اجتمعوا لذلك الغرض، فقد طعنوا في نبوته ونسبوه إلى الكذب في ادِّعاءِ الرسالة، وذلك هو قولهم كلمة الكفر وهذا القول اختيار الزجاج.
فإن قيل : قوله :﴿ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ ﴾ يدلُّ على أنَّهم أسلمُوا من قبل، وهم لم يكونوا مسلمين.
فالجوابُ : أنَّ المراد من الإسلام السلم الذي هو ضد الحرب؛ لأنَّهم لمَّا نافقوا، فقد أظهروا الإسلام، وقوله :﴿ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ ﴾ المراد إطباقهم على الفتك بالرسول ﷺ والله تعالى أخبر الرسول بذلك حتى احترز عنهم، ولم يصلُوا إلى مقصودهم وقال السُّديُّ :« هو قولهم إذا قدمنا المدينة؛ عقدنا على رأس عبد الله بن أبيّ تاجاً فلم يصلوا إليه ».
قوله :﴿ وَمَا نقموا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ الله وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ ﴾.
في الاستثناء وجهان :
أحدهما : أنَّهُ معفول به، أي : وما كرهُوا وعابُوا إلاَّ إغناءَ الله إيَّاهم وهو من باب قولهم : ما لي عندك ذنبٌ إلاَّ أن أحسنت إليك، أي : إن كان ثم ذنبٌ فهو هذا، فهو تهكمٌ بهم؛ كقوله :[ الطويل ]

٢٨١٥- ولا عَيْبَ فينَا غَيْرَ عِرْقٍ لِمَعْشَرٍ كرامٍ وأنَّا لا نَخُطُّ على النَّمْلِ
وقول الآخر :[ المنسرح ]
٢٨١٦- مَا نَقمُوا مِنْ بَنِي أمَيَّة إلْ لا أنَّهُم يَحْلُمُون إن غضبُوا
وأنَّهُمْ سَادَةُ الملُوك ولا يَصْلحُ إلاَّ عليهمُ العربُ
والثاني : أنَّهُ مفعولٌ من أجله، وعلى هذا فالمفعولُ به محذوف، تقديره : وما نقموا منهم الإيمان إلاَّ لأجل إغناء الله إيَّاهم. وقد تقدَّم الكلامُ على « نَقِمَ » [ الأعراف : ١٢٦ ].
قيل : إن مولى الجلاس قتل، فأمر له رسول الله ﷺ بديته اثني عشر ألفاً فاستغنى.
وقال الكلبيُّ : كانوا قبل قدوم النبي ﷺ المدينة في ضنكٍ من العيشِ فلمَّا قدمَ عليهم النبي ﷺ استغنوا بالغنائم.
قوله :﴿ فَإِن يَتُوبُواْ ﴾ أي : من نفاقهم :﴿ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا ﴾ أي : يعرضوا عن التوبة ﴿ يُعَذِّبْهُمُ الله عَذَاباً أَلِيماً فِي الدنيا ﴾ بالخزي، وفي ﴿ الآخرة ﴾ بالنَّارِ ﴿ وَمَا لَهُمْ ﴾ في الأَرض ﴿ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ﴾ أي : أنَّ عذاب الله إذا حق لم ينفعه وليّ ولا نصير.
قوله تعالى :﴿ وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ الله ﴾ الآية.


الصفحة التالية
Icon