قوله تعالى :﴿ قُلْ ياأيها الناس إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ ﴾ الآية.
لمَّا بيَّن تعالى أنَّ من شُرُوطِ حُصُولِ الرَّحْمَةِ لأولئك المُتَّقِينَ، كونهم مُتَّبِعين للرَّسُولِ، حَقَّقَ في هذه الآية رسالته إلى كلِّ الخلق.
وقوله إلَيْكُمْ مُتعلِّقٌ ب « رَسُولُ »، وجَمِيعاً حال من المجرورِ ب « إلى ».

فصل


هذه الآيةُ تدلُّ على أنَّ محمداً ﷺ مبعوثٌ إلى جميع الخَلْقِ.
وقالت طائفة من اليهُودِ يقال لهم العيسوية، وهم أتباع عيسى الأصفهانيّ : إنَّ محمداً رسول صادق مبعوث إلى العرب خاصة لا إلى بني إسرائيل وهذه الآية تبطلُ قولهم؛ لأن قوله ﴿ ياأيها الناس ﴾ خطابٌ يتناولُ كلَّ النَّاسِ، وقد أقرّوا بكونِهِ رسولاً حقّاً صادقاً وما كان كذلك امتنع الكذب عليه، ووجب الجزمُ بكونه صادقاً في كلِّ ما يدَّعيه، وقد ثبت بالتَّواتُرِ وبهذه الآية أنه كان يدَّعي كونه مبعوثاً إلى جميع الخلق؛ فوجب ونُه صادقاً في هذا القول.

فصل


هذه الآيةُ دلَّت على أن محمداً عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ مبعوثٌ إلى كل الخلق فهل شاركه في هذه الخصوصيَّةِ أحد من الأنبياء؟.
فقال بعضهم : نعم كان آدم عليه الصَّلاة والسَّلام مبعوثاً إلى جميع أولاده، وأنَّ نوحاً لما خرج من السفينة كان مبعوثً إلى الذين كانوا معه، وهم جميع النَّاسِ في ذلك الوقت، وقوله عليه الصَّلاة والسَّلام :« أعطيتُ خمْساً لَمْ يُعْطَهنَّ أحَدٌ من الأنبياءِ قَبْلِي »
المرَادُ أنَّ مجموعَ الخَمْسَةِ لم يحصل لأحدٍ سواه، ولم يلزم من كون المجموع من خواصه عدم مشاركة غيره في آحاد أفرادها.
قوله :﴿ الذي لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض ﴾. يجوزُ فيه : الرَّفْعُ، والنَّصْبُ، والجَرُّ، فالرَّفْعُ والنَّصْبُ على القطع كما تقدم [ الأعراف : ٥٧ ]، والجَرُّ من وجهين : إمَّا النَّعْتِ للجلالة، وإمَّا البدلِ منها.
قال الزمخشريُّ : ويجوزُ أن يكون جَرّاً على الوصفِ، وإن حيلَ بين الصِّفةِ والموصوف بقوله « إليْكُمْ جَمِيعاً ».
واستضعف أبُو البقاءِ هذا ووجه البدل، فقال : ويَبْعُدُ أن يكون صفة لله او بدلاً منه، لما فيه من الفصل بينهما ب « إلَيْكُمْ » وبحالٍ، وهو مُتعلِّقٌ ب « رَسُولُ ».
قوله ﴿ لاا إله إِلاَّ هُوَ ﴾ لا محلَّ لهذه الجملةِ من الإعراب، إذ هي بدل من الصلةِ قبلها وفيها بيان لها؛ لأنَّ من ملك العالم كان هو الإله على الحقيقةِ، وكذلك قوله « يُحْيي ويُمِيتُ » هي بيان لقوله لا إله إلاَّ هُوَ سِيقَتْ لبيان اختصاصه بالإلهيَّةِ؛ لأنه يَقْدِرُ على الإحياء والإماتةِ غَيْرُهُ.
قاله الزمخشريُّ : وقال أبُو حيَّان :« وإبدالُ الجُمَلِ من الجُمَلِ غير المشتركة في عاملٍ لا نعرفه ».

فصل


وقال الحُوفيُّ : إن « يُحْيِ ويُمِيتُ » في موضع خبر لا إله.


الصفحة التالية
Icon