﴿ سَيَقُولُ المخلفون إِذَا انطلقتم ﴾ [ الفتح : ١٥ ] ﴿ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا ﴾ [ الفتح : ١٥ ]، ثم إنَّه تعالى علَّل ذلك المنع بقوله ﴿ إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ ﴾ أي : لأنكم رضيتم ﴿ بالقعود أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ في غزوة تبوك.
قال أبُو البقاءِ :« أوَّل مرَّةٍ » ظرف. قال أبُو حيَّان « يعني ظرف زمان وهو بعيد ».
قال شهابُ الدِّين « لأنَّ الظَّاهر منصوبةٌ على المصدر. وفي التفسير : أول خرجةٍ خرجها رسولُ الله ﷺ، فالمعنى : أول مرَّة من الخروج ».
قال الزمخشريُّ « فإن قلت :» مَرَّةٍ « نكرة، وضعت موضع المرات، للتفضيل، فلمَ ذُكِرَ اسمُ التفضيل المضافُ إليها، وهو دالٌّ على واحدةٍ من المرَّاتِ؟ قلت : أكثرُ اللُّغتين : أن يقال هند أكبرُ النساء، وهي أكبرهنَّ، ثم إنَّ قولك : هي كبرى امرأة، لا يكادُ يُعثر عليه، ولكن هي أكبر امرأة، وأول مرة وآخر مرة ».
والمعنى : أنَّ الحاجةَ في المرَّة الأولى إلى موافقتكم كانت أشدّ، وبعد ذلك زالت تلك الحاجة فلما تخلَّفْتُم عند مسيس الحاجة إلى حضُورِكُم؛ فبعد ذلك لا نقبلكم، ولا نلتفتُ إليكم.
قوله :« مَعَ الخالفين » هذا الظَّرفُ يجوز أن يكون متعلقاً ب « اقْعُدُوا »، ويجوزُ أن يتعلَّق بمحذوفٍ؛ لأنَّه حال من فاعل « اقْعُدُوا ». والخَالِفُ : المتخلِّفُ بعد القوم.
قال الأخفشُ، وأبو عبيده :« الخَالِفُونَ » جمع، واحدهم « خالف »، وهو من يخلف الرجل في قومه. والمعنى : مع الخالفينَ من الرِّجال الذين يخلفون في البيت، فلا يبرحون.
وقال الفرَّاءُ : المراد : ب « الخَالِفينَ »، يقالُ : عبد خالف، إذا كان مخالفاً. وقال الأخفشُ : فلان خالفةُ أهل بيته إذا كان مخالفاً لهم، وقال الليثُ : يقال هذا رجل خالفةٌ، أي : مخالف كثير الخلاف، فإذا جمع قلت : الخالفُونَ. وقال الأصمعيُّ : الخالفُ : هو الفاسد، يقال : خلف فلان عن كل خير يخلف خلوفاً، إذا فسد ومنه « خُلُوف فَمِ الصَّائمِ »، والمراد بهم : النِّساءُ والصبيانُ والرِّجالُ العاجزون؛ فلذلك جازَ جمعهُ للتَّغليب. وقال قتادةُ : الخَالِفُونَ : النِّسَاء « وهو مردودٌ، لأجْلِ الجمع. وقرأ عكرمة، ومالكُ بن دينارٍ » مَعَ الخَلِفينَ « مَقصُوراً من » الخَالِفِينَ « ؛ كقوله :[ الرجز ]
٢٨٢٢- مِثْلُ النَّقَا لَبَّدَهُ ضَرْبُ الظِّلَلْ... وقوله :[ الرجز ]
يريد :» الظِّلال « و » عَرِدّا « : بَارِداً.@٢٨٢٣-...................... عَرِدَا .......................... بَرِدَا
قوله تعالى :﴿ وَلاَ تُصَلِّ على أَحَدٍ مِّنْهُم ﴾ الآية.
» مِنْهُم « صفةٌ ل » أحَدٍ «، وكذلك الجملة من قوله :» مَاتَ «، في موضع جر أيضاً كأنه قيل : على أحدٍ منهم ميت، ويجوزُ أن يكون » مِنْهُم « حالاً من الضَّمير في » مَاتَ « أي : مات حال كونه منهم، أي : مُتَّصِفاً بصفة النِّفاقِ، كقولهم : أنت مني، يعني : على طريقتي و » أبَداً « ظرف منصوب بالنهي، وهذا الظَّرفُ متعلق ب » أحَد «، والتقدير : ولا تصل أبداً على أحدٍ منهم.