قوله تعالى :﴿ وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ ﴾ الآية.
« إذَا » لا تقتضي تكراراً بوضعها، وإن كان بعضُ النَّاسِ فهم ذلك منها هنا، وقد تقدَّم ذلك أوَّل البقرة؛ وأنشد عليه :[ البسيط ]

٢٨٢٤- إذَا وَجَدْتُ أوَارَ الحُبِّ فِي كَبِدِي ...........................
وأنَّ هذا إنَّما يُفهَمُ من القرائنِ، لا منْ وضع « إذَا ».
قوله :« أَنْ آمِنُواْ » فيه وجهان :
أحدهما : أنَّها تفسيريةٌ؛ لأنَّه فيه تقدَّمها ما هو بمعنى القول لا حروفه.
والثاني : أنَّها مصدريةٌ، على حذف حر الجرّ، أي : بأنْ آمنُوا.
وفي قوله :« استأذنك » التفاتٌ من غيْبَةٍ إلى خطابٍ، وذلك أنَّهُ قد تقدَّم لفظُ « رسُوله »، فلو جاء على الأصل لقيل : اسْتَأْذَنَهُ «.

فصل


اعلم أنَّهُ تعالى بيَّن في الآيات المتقدمة احتيال المنافقين في التَّخلف عن رسُول الله - عليه الصَّلاة والسَّلام -، والقعود عن الغَزْوِ، وزاد ههنا، أنَّهُ متى نزلت أية فيها الأمر بالغزو مع الرسولِ، استأذن أولو الثروة والقدرة منهم في التخلُّف عن الغزو، وقالوا للرَّسُول ﷺ : ذَرْنَا نكُن مع القاعدين، أي : مع الضُّعفاء من النَّاس والسَّاكنين في البلد.
و »
السُّورة « يجوزُ أن يراد تمامها وأن يراد بعضها، كما يقع القرآن والكتاب على كلِّه وبعضه وقيل : المرادُ ب » السُّورة « براءة؛ لأنَّ فيها الأمر بالإيمان والجهاد.
قوله ﴿ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الخوالف ﴾.
الخَوالِفُ : جمع خالفٍ من صفة النِّساءِ، وهذه صفةُ ذمّ؛ كقول زهير :[ الوافر ]
٢٨٢٥- ومَا أدْرِي وسَوْفَ إخَالُ أدْرِي أَقوْمٌ آلُ حِصْنٍ أمْ نِسَاءُ؟
فإنْ تَكُنِ النِّساءُ مُخَبَّآتٍ فحُقَّ لِكُلِّ مُحْصَنَةٍ هِدَاءُ
وقال آخر :[ الخفيف ]
٢٨٢٦- كُتِبَ القَتْلُ والقِتَالُ عَلَيْنَا وعَلَى الغَانياتِ جَرُّ الذُّيُولِ
وقال النَّحَّاسُ »
يجوزُ أن تكون الخوالف من صفة الرِّجالِ، بمعنى أنَّها جمعُ « خالفة » يقال : رجل خالفة، أي : لا خير فيه «. فعلى هذا يكونُ جمعاً للذكور، باعتبار لفظه. وقال بعضهم : إنَّه جمع » خالف «، يقال : رجل خالفٌ، أي : لا خير فيه. وهذا مردودٌ، فإنَّ » فواعِل « لا يكونُ جمعاً ل » فَاعلِ «، وصفاً لعاقل، إلاَّ ما شذَّ، من نحو : فَوَارِس، ونَواكِس وهَوالك.
ثم قال تعالى :﴿ وَطُبِعَ على قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ ﴾ [ التوبة : ٨٧ ] وقد تقدَّم الكلامُ في الطَّبْعِ والختم، أوَّل البقرة.
قوله تعالى :﴿ لكن الرسول والذين آمَنُواْ مَعَهُ ﴾ الآية.
ومعنى هذا الاستدراك : أنَّه إن تخلَّف هؤلاء المنافقون عن الغزو؛ فقد توجه إليه من هو خير منهم ونظيره :﴿ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هؤلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ ﴾ [ الأنعام : ٨٩ ] وقوله :﴿ فَإِنِ استكبروا فالذين عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بالليل والنهار ﴾ [ فصلت : ٣٨ ]، ولمَّا وصفهم بالمُسارعةِ إلى الجهادِ، ذكر ما حصل لهم من الفوائدِ، وهي أنواع، أوَّلها : قوله ﴿ وأولئك لَهُمُ الخيرات ﴾ والخيراتُ : جمع خَيْرة، على »
فَعْلة « بكسون العين، وهو المُسْتَحْسَنُ من كُلِّ شيءٍ، وغلبَ استعماله في النِّساء، ومنه قوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon