﴿ فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ ﴾ [ الرحمن : ٧٠ ] ؛ وقول الشَّاعر :[ الكامل ]
٢٨٢٧- ولقَدْ طَعَنْتُ مَجامِعَ الرَّبَلاتِ | ربلاتِ هِنْدٍ خَيْرَةِ الملكاتِ |
وثانيها : قوله :﴿ وأولئك هُمُ المفلحون ﴾، والمرادُ منه : التخلص من العقاب.
وثالثها : قوله :﴿ أَعَدَّ الله لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ يحتملُ أن تكون هذه الجنات كالتَّفسير للخيراتِ والفلاحِ، ويحتملُ أن تحمل الجنات على ثواب الآخرة، والفلاح على منافع الدُّنيا، كالغزو، والثروة، والقدرةِ، والغلبةِ، و « الفَوزُ العظيمُ » عبارة عن كون تلك الحالة مرتبة رفيعه، ودرجة عالية.
قوله تعالى :﴿ وَجَآءَ المعذرون مِنَ الأعراب ﴾ الآية.
لمَّا شرح أحوال المنافقين الذين كانُوا في المدينة، شرح في هذه الآية أحوال المنافقين من الأعراب.
قرأ الجمهور « المُعذِّرُونَ » بفتح العين وتشديد الذَّال، وهي تحتمل وجهين :
أن يكون وزنه « فعَّل » مضعّفاً، ومعنى التَّضعيف فيه التكليف، والمعنى : أنه توهَّم أنَّ لهُ عُذراً، ولا عذر لهُ.
والثاني : أن يكون وزنه « افْتَعَل »، والأصلُ :« اعتذرَ »، فأدغمت التاءُ في الذال بأن قلبت تاءُ الافتعال ذالاً، ونُقِلت حركتها إلى السَّاكن قبلها، وهو العين، ويدلُّ على هذا قراءةُ سعيد بن جُبير « المُعْتَذِرُونَ » على الأصل، وإليه ذهب الأخفشُ، والفرَّاءُ وأبو عبيد، وأبو حاتم، والزَّجَّاجُ، وابن الأنباري، والاعتذار قد يكُون بالكذبِ، كما في قوله ﴿ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ ﴾ [ التوبة : ٩٤ ]، وكان ذلك الاعتذار فاسداً، لقوله :« لا تَعْتَذِرُوا »، وقد يكون بالصِّدقِ، كقول لبيد :[ الطويل ]
٢٨٢٨-........................ | ومَنْ يَبْكِ حَوْلاً كَامِلاً فَقدِ اعتذرْ |
وقرأ زيد بن عليّ، والضحاكُ، والأعرجُ، وأبو صالح، وعيسى بن هلال، وهي قراءة ابن عباس ومجاهد أيضاً، ويعقوب، والكسائي « المُعْذرُونَ » بسكون العين وكسر الذَّال مخففة من أعْذَر، يُعْذِر ك « أكْرَم، يُكْرِم »، وهم المبالغون في العُذْرِ.
وقرأ مسلمةُ « المُعَّذِّرُون » بتشديد العين والذال، من « تعذَّرَ » بمعنى اعْتذرَ.
قال أبُو حاتمٍ : أراد « المتعذَّرون » والتاء لا تدغم في العين، لبُعد المخارجِ وهي غلطٌ منه، أو عليه.
قوله :« ليُؤذنَ » متعلقٌ ب « جَاءَ » وحذفَ الفاعلُ، وأقيمَ الجارُّ مقامه، للعلم به، أي : ليأذن لهم الرسول.
فصل
أمَّا قراءةُ التخفيف فهم الكاذبون في العذر، وأمَّا قراءة التشديد، فمحتملة لأن يكونُوا صادقين، وأن يكُونُوا كاذبينَ. قال ابنُ عبَّاسٍ « هم الَّذِين تخلَّفُوا بعذرٍ بإذن رسُول الله ﷺ » وهو قول بعض المفسرين أيضاً، قال : المعذرون، كانوا صادقين؛ لأنَّه تعالى لمَّا ذكرهم قال بعدهم ﴿ وَقَعَدَ الذين كَذَبُواْ الله وَرَسُولَهُ ﴾، فلمَّا ميَّزهم عن الكاذبين دلَّ على أنَّهم لَيْسُوا كاذبينَ.