٢٨٢٩- اليَوْمَ خَمْرٌ ويبْدُو في غدٍ خبرٌ والدَّهْرُ مِنْ بيْنِ إنعامٍ وإبْآسِ
يُشير إلى قول امرئ القيس لمَّا بلغه قتلُ أبيه :« اليوم خَمْرٌ، وغداً أمرٌ ».
وقول الآخر :[ الطويل ]
٢٨٣٠- فواللهِ مَا أدْرِي أأحلامُ نَائِمٍ ألمَّتْ بِنَا أم كان في الرَّكْبِ يُوشَعُ؟
يشير إلى قصَّة يوشع ﷺ، واستيقانه الشَّمس.
وقول الآخر :[ الطويل ]
٢٨٣١- لَعمرٌو مَعَ الرَّمضَاءِ والنَّارُ تَلتَظِي أرَقُّ وأحْفَى مِنْكَ في ساعةِ الكَرْبِ
أشار إلى البيت المشهور :[ البسيط ]
٢٨٣٢- المُسْتجيرُ بعمْرٍو عندَ كُرْبتِهِ كالمُسْتَجيرِ مِنَ الرَّمْضَاءِ بالنَّارِ
فكأنه قوله :﴿ مَا عَلَى المحسنين مِن سَبِيلٍ ﴾ اشتهر ما هو بمعناه بين النَّاس؛ فأشار إليه من غير ذكر لفظه. ولمَّا ذكر أبو حيان التلميح لم يُقَيِّدَهُ بقوله :« من غير ذكره ». ولا بُدَّ منه لأنَّه إذا ذكره بلفظه كان اقتباساً وتضميناً.

فصل


اختلفوا في قوله :﴿ مَا عَلَى المحسنين مِن سَبِيلٍ ﴾ هل يفيدُ العموم؟ فقال بعضهم : لا؛ لأنَّ اللفظ مقصورٌ على أقوام مُعَيَّنينَ نزلت الآية فيهم. وقال آخرون : بلى؛ لأنَّ العبرةَ بعموم اللفظِ لا بخصوصِ السَّببِ، والمُحسن هو الآتي بالإحسان، ورأس الإحسان لا إله إلاَّ اللهَ، فكلُّ مَنْ قالها واعتقدها، كان من المسلمين، فاقتضت نفي جميع المسلمين؛ فدلَّ هذا اللفظ بعمومه على أنَّ الأصلَ حرمة القتلِ، وحرمة أخذ المالِ وأن لا يتوجه عليه شيء من التَّكاليفِ، إلاَّ بدليلٍ منفصل، فصارت هذه الآية بهذا الطريق أصلاً مُعتبراً في الشريعة، في تقرير أنَّ الأصل براءة الذِّمة، إلى أن يرد نص خاص.
قوله :﴿ وَلاَ عَلَى الذين ﴾. فيه أوجه :
أحدها : أن يكون معطوفاً على « الضُّعفاء »، أي : ليس على الضعفاءِ، ولا على الذين إذا ما أتوكَ، فيكونون داخلين في خبر « ليس » مُخْبراً بمتعلقهم عن اسمها، وهو « حَرَجٌ ».
الثاني : أن يكون معطوفاً على « المُحْسنينَ » فيكونون داخلين فيما أخبر به من قوله :« مِنَ سبيلٍ »، فإنَّ « مِنْ سبيلٍ » يحتمل أن يكون مبتدأ، وأن يكون اسم « ما » الحجازية، و « مِنْ » مزيدةٌ في الوجهين.
الثالث : أن يكون « ولا علَى الَّذِينَ » خبراً لمبتدأ محذوف، تقديره : ولا على الذين إذا ما أتوكَ.. إلى آخر الصلة، حرجٌ، أو سبيلٌ وحذف لدلالةِ الكلامِ عليه، قاله أبُو البقاءِ. ولا حاجةَ إليه، لأنَّه تقديرٌ مُسْتغنًى عنه إذ قدَّر شيئاً يقومُ مقامهُ هذا الموجودُ في اللفظ والمعنى. وهذا الموصولُ، أعني قوله :﴿ وَلاَ عَلَى الذين إِذَا مَآ أَتَوْكَ ﴾، يحتملُ أن يكون مندرجاً في قوله :﴿ وَلاَ عَلَى الذين لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ ﴾ وذكروا على سبيل نفي الحرج عنهم، وألا يكونوا مندرجين، بل أن يكون هؤلاء وجدوا ما ينفقونَ، إلاَّ أنَّهُمْ لمْ يَجدُوا مرْكُوباً. وقرأ معقل بنُ هارون « لنَحْملَهُمْ » بنون العظمة، وفيها إشكالٌ، إذ كان مقتضى التركيب : قلت : لا أجدُ ما يحملكم عليه الله.


الصفحة التالية
Icon