« لا أجِدُ ما أحملكُم عليهِ » فتولَّوا وهم يبكُون وقال الحسنُ :« نزلت في أبي موسى الأشعري، وأصحابه، أتوا رسول الله ﷺ يستحملونه، ووافق ذلك منه غضباً فقال :» والله لا أحْملكُمْ ولا أجِدُ ما أحْملُكُم عليْهِ « فتولَّوا يبكون، فدعاهم رسول الله ﷺ وأعطاهم ذوداً. فقال أبو موسى : ألست حلفت يا رسول الله؟ فقال :» أما إنِّي إن شاء الله لا أحْلِفُ فأرَى غيرَها خيراً منها، إلاَّ أتَيْتُ الذي هُو خَيْرٌ وكفَّرتُ عنْ يَمِيني «.
ولمَّا قال تعالى :﴿ مَا عَلَى المحسنين مِن سَبِيلٍ ﴾ قال في هذه الآية :﴿ إِنَّمَا السبيل عَلَى الذين يَسْتَأْذِنُونَكَ ﴾ في التخلف :» وهُمْ أغنِيَاءُ «.
قوله :»... رضُوا « فيه وجهان :
أحدهما : أنَّهُ مستأنفٌ، كأنَّهُ قال قائلٌ : ما بالهم استأذنوا في القعودِ، وهُم قادرُون على الجهادِ؟ فأجيب بقوله :﴿ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الخوالف ﴾، وإليه مال الزمخشريُّ.
والثاني : أنَّه في محلِّ نصب على الحالِ، و » قَدْ « مقدَّرةٌ في قول. وتقدَّم الكلام في :» الخَوالفِ «. » وطبعَ اللهُ على قُلوبِهِمْ « قوله :» وطبعَ « نسقٌ على » رَضُوا « تنبيهاً على أنَّ السَّبب في تخلُّفهم رضاهم بقُعُودهم، وطبعُ الله على قلوبهم، وقوله :» إنَّما السَّبيلُ على « فأتَى ب » عَلَى «، وإن كان قد يصلُ ب » إلَى « ؛ لأنَّ » عَلى « تدلُّ على الاستعلاء، وقلة منعة من تدخل عليه، نحو : لي سبيل عليك، ولا سبيل لي عليك، بخلاف » إلى « فإذا قلت : لا سبيل عليك، فهو مُغايرٌ لقولك : لا سبيل إليك، ومن مجيء » إلَى « معه قوله :[ الطويل ]٢٨٣٣- ألاَ ليْتَ شِعْرِي هَلْ إلى أمِّ سالمٍ | سبيلٌ؟ فأمَّا الصَّبْرُ عَنْهَا فلا صَبْرَا |
وقول الآخر :[ البسيط ]٢٨٣٤- هَلء مِنْ سبيلٍ إلى خَمْرٍ فأشْربهَا | أمْ مِنْ سبيلٍ إلى نصْرِ بنِ حجَّاجِ |
قوله تعالى :﴿ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ ﴾.
روي أنَّ المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك كانوا بضعة وثمانين نفراً، فلمَّا رجع رسول الله ﷺ جاءوا يعتذرون بالباطل، فقال الله ﴿ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ ﴾ لم نصدقكم.
قوله :﴿ قَدْ نَبَّأَنَا الله ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنَّها المتعدِّيةُ إلى مفعولين.
أولهما :» ن «، والثاني :» مِنْ أخْبارِكُمْ «، وعلى هذا ففي » مِنْ « وجهان :
أحدهما : أنَّها غيرُ زائدةٍ، والتقدير، قد نبَّأنا اللهُ أخْبَاراً من أخباركم، أو جملة من أخباركم، فهو في الحقيقة صفةٌ للمفعول المحذوف.
والثاني : أنَّ » مِنْ « مزيدةٌ عند الأخفشِ؛ لأنَّه لا يشترط فيها شيئاً، والتقدير : قد نبَّأنا الله أخباركم.
الوجه الثاني - من الوجهين الأولين - : أنَّها متعديةٌ لثلاثة، ك » أعْلَم «، فالأولُ، والثاني ما تقدَّم، والثالث محذوفٌ اختصاراً للعلم به، والتقدير : نبَّأنا الله من أخباركم كذباً، ونحوه.