انثال عليهم؛ فأهلكهم وطمَّ منازلهم، وفي ذلك يقول بعض الشعراء :[ الرجز ]
٢٨٣٥- وكَرَّ دَهْرٌ على وَبَار | فَهَلَكَتْ جَهْرَةً وبَارُ |
قال بعضهم : والصحيحُ إن شاء الله تعالى - أن آدم نطق بالعربيَّة، وغيرها من الألسنةِ، لقوله تعالى :﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الأسمآء كُلَّهَا ﴾ [ البقرة : ٣١ ].
ولا شكّ أنَّ اللِّسان العربيّ مختصّ بأنواع الفصاحةِ والجزالة، لا توجدُ في سائرِ الألسنةِ.
قال بعضُ الحكماءِ : حكمة الرُّوم في أدمغتهم؛ لأنَّهم يقدرون على التركيبات العجيبة، وحكمةُ الهندِ في أوهامهم، وحكمةُ اليونانِ في أفئدتهم لكثرةِ ما لهم من المباحث العقليَّةِ، وحكمة العرب في ألسنتهم بحلاوةِ ألفاظهم، وعذوبة عباراتهم.
فصل
اعلم أن الله تعالى حكم على الأعراب بحكمين :
الأول : أنَّهُم أشدّ كفراً ونفاقاً، والسبب فيه وجوه :
أحدها : أنَّ أهل البدو يشبهون الوحوش.
وثانيها : استيلاءُ الهواء الحار اليابس عليهم، وذلك يزيدُ في التيه، والتَّكبر، والفخر، والطيش عليهم.
وثالثها : أنَّهُم ما كانوا تحت سياسة سائس، ولا تأديب مؤدب؛ فنشأوا كما شاءوا، ومن كان كذلك؛ خرج على أشدِّ الجهات فساداً.
ورابعها : أنَّ من أصبح وأمسى مشاهداً لوعظ رسول الله ﷺ، وبياناته الشافية، كيف يكون مُساوياً لمن لم يؤثر هذا الخير، ولم يسمع خبره؟
وخامسها : قابل الفواكه الجبلية بالفواكه البستانية، لتعرف الفرق بين أهل الحضرِ والباديةِ. و « أشَدّ » أصله : أشدد، وقد تقدم. وقوله « كُفْراً » نصب على الحال، و « نِفَاقاً » عطف عليه، و « أجْدَرُ » عطف على « أشَدّ ».
الحكم الثاني : قوله :﴿ وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ.. ﴾ « أجْدَر » أي : أحَقُّ وأولى؛ يقال : هو جديرٌ وأجدرُ، وحقيقٌ وأحقُّ، وخليقٌ وأخلقُ، وقمنٌ بكذا، كلُّه بمعنى واحد، قال الليثُ : جَدَر يَجْدرُ جدارَةً، فهو جَديرٌ، ويُثَنَّى ويُجمع؛ قال الشاعر :[ الطويل ]
٢٨٣٦- بخيْلٍ عليْهَا جِنَّةٌ عبْقريَّةٌ | جَديرُونَ يَوْماً أنْ ينَالُوا فَيسْتَعْلُوا |
وقوله :﴿ أَلاَّ يَعْلَمُواْ ﴾ أي : بألاَّ يعلمُوا، فحذف حرف الجر؛ فجرى الخلافُ المشهور بين الخليل والكسائي، مع سيبويه والفراء. والمراد بالحدُودِ : ما أنزل الله على رسوله، وذلك لبعدهم عن سماع القرآن ومعرفة السُّننِ. ﴿ والله عَلِيمٌ ﴾ بما في قلوب خلقه :» حَكِيمٌ « فيما ف رض عليهم من فرائضه.
قوله تعالى :﴿ وَمِنَ الأعراب مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً ﴾.