نزلت في أعراب أسد وغطفان وتميم. « مَنْ » بمتدأ، وهي إما موصولةٌ، وإمَّا موصوفةٌ.
و « مَغْرَماً » مفعول ثانٍ؛ لأنَّ « اتَّخَذَ » هنا بمعنى « صيَّر ». والمَغْرَمُ : الخسران، مشتق من الغرام، وهو الهلاك؛ لأنَّه سببه، ومنه :﴿ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً ﴾ [ الفرقان : ٦٥ ]. وقيل أصله الملازمةُ، ومنه الغريمُ : للزومه من يطالبه، والمغرم : مصدر كالغرامةِ، والمغرم التزام ما لا يلزمُ. قال عطاءٌ : لا يرجُون على إعطائه ثواباً؛ ولا يخافون على إمساكه عقاباً، وإنَّما ينفقُ مغرماً ورياءً. و « يتربَّصُ » عطفٌ على « يتَّخِذ »، فهو إمَّا صلة، وإما صفة. والتَّربُّصُ : الانتظارُ. وقوله :﴿ بِكُمُ الدوائر ﴾ فيه وجهان :
أظهرهما : أنَّ الياء متعلقةٌ بالفعل قبلها.
والثاني : أنها حالٌ من « الدَّوائر » قاله أبو البقاءِ وليس بظاهرٍ، وعلى هذا يتعلقُ بمحذوفٍ على ما تقرَّر. و « الدَّوائرِ » جمعُ « دائرةٍ » وهي ما يُحيط بالإنسان من مُصيبة ونكْبَةٍ، تصوُّراً من الدَّائرة المحيطة بالشَّيء من غير انفلاتٍ منها، وأصلها :« دَاوِرَة » ؛ لأنَّها من دَارَ يدُورُ، أي : أحَاطَ، ومعنى « تَربُّص الدَّوائر » أي : انتظار المصائب؛ قال :[ الطويل ]
٢٨٣٧- تَربَّصْ بهَا رَيْبَ المنُونِ لعلَّها | تُطلَّقُ يوْماً أو يَمُوتُ حليلُهَا |
وأمَّا الأولى في الفتح، وهي « ظنَّ السوءِ ».
فاتفق على فتحها السبعةُ. فأمَّا المفتوح فقيل : هو مصدر.
قال الفرَّاءُ :« فتحُ السِّين هو الوجه؛ لأنَّه مصدرٌ يقالُ : سُؤتُه سَوْءاً، ومَساءةٌ، وسَوائِيَةٌ، ومَسَائِيَةٌ، وبالضَّم الاسم، كقولك : عليهم دائرةُ البلاءِ والعذاب ».
قال أبُو البقاء :« وهو الضَّرَرُ، وهو مصدر في الحقيقة ». يعني أنَّه في الأصل كالمفتوح، في أنَّهُ مصدرٌ، ثُمَّ أطلقَ على كل ضررٍ وشرٍّ. وقال مكي :« مَنْ فتح السِّين فمعناه الفساد والرَّداءة، ومنْ ضمَّها فمعناه الهزيمةُ والبلاءُ والضَّرر ». وظاهرُ هذا أنَّهما اسمان لما ذكر. ويحتملُ أن يكونا في الأصل مصدراً ثم أطلقا على ما ذكر. وقال غيره : المضمومُ العذاب والضرر، والمفتوح : الذم، ألا ترى أنَّه أجمع على فتح ﴿ ظَنَّ السوء ﴾ [ الفتح : ٦ ] وقوله :﴿ مَا كَانَ أَبُوكِ امرأ سَوْءٍ ﴾ [ مريم : ٢٨ ]، إذ لا يليقُ ذكرُ العذاب بهذين الموضعين. وقال الزمخشري فأحسن :« المضمومُ : العذاب، والمفتوحُ ذمٌّ ل » دائرة « كقولك : رجُل سوءٍ، في نقيض رجل عدل؛ لأنَّ منْ دَارتْ عليه يذُمُّهَا ». يعني أنَّها من باب إضافة الموصوف إلى صفته، فوصفت في الأصل بالمصدر مبالغةً، ثم أضيفَتْ لصفتها، كقوله تعالى :