فصل
لمَّا ذكر فضائل الأعراب الذين يتَّخذُونَ ما ينفقُون قربات عند الله، وما أعد لهم، بين أنَّ فوق منزلتهم منازل أعلَى وأعظم منها، وهي منازلُ السَّابقين الأولين. واختلفوا فيهم، فقال ابنُ عبَّاس، وسعيدُ بنُ المسيب، وقتادة، وابن سيرين، وجماعة : هم الذين صلُّوا إلى القبلتين، وقال عطاءُ بن أبي رباح : هم الذين شهدوا معه بيعة الرضوان، وكانت بيعة الرضوان بالحديبية. وقال أبو مسلم : من تقدم موته بعد الإسلام من الشهداء وغيرهم. وقال ابنُ الخطيبِ :« والصحيحُ عندي أنَّهم السَّابقون في الهجرة، والنصرة، لكونه وصفهم بكونهم مهاجرين وأنصاراً ». واختلفوا هل يتناولُ جميع الصحابة الذين سبقوا إلى الهجرة، والنصرة أم يتناول بعضهم؟ فقال قومٌ : إنَّه يتناول الذين سبقوا في الهجرة والنصرة وعلى هذا، فلا يتناول إلا قدماء الصحابة، لأنَّ كلمة « مِنْ » للتَّبعيض.
ومنهم من قال : بل يتناولُ جميع الصحابةِ؛ لأنَّ جملة الصَّحابة موصوفون بكونهم سابقين أولين بالنسبة إلى سائر المسلمين، وكلمة « مِنْ » في قوله « مِنَ المُهاجرينَ والأنصَارِ » ليست للتَّبعيض، بل للتبيين، كقوله :﴿ فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان ﴾ [ الحج : ٣٠ ]، وذهب إلى هذا كثيرٌ من النَّاس.
روى حميدُ بن زيادٍ أنَّهُ قال : قلت يوماً لمحمَّدِ بن كعب القرظيِّ : ألا تُخْبرني عن أصحاب الرسول فيما كان بينه؟ وأردت الفتن، فقال : إنَّ الله قد غفر لجميعهم، وأوجب لهم الجنَّة في كتابه، محسنهم ومسيئهم، قلت له : وفي أيّ موضع أوجب لهم الجنّة؟ قال : سبحان الله! ألا تقرأ قوله :﴿ والسابقون الأولون مِنَ المهاجرين والأنصار ﴾ [ التوبة : ١٠٠ ] إلى آخر الآية؟ فأوجب الله لجميع أصحاب النبي - ﷺ - الجنَّة والرضوان، وشرط على التابعين شرطاً، قلت : وما ذاك الشَّرط؟ فقال : شرط عليهم أن يتبعوهم بإحسان، وهو أن يقتدوا بهم في أعمالهم الحسنة، ولا يقتدوا بهم في غير ذلك، أو يقال : المرادُ أن يتبعوهم بإحسان في القول، وهو ألاَّ يقولوا فيهم سوءاً، وألاَّ يوجهوا الطَّعْنَ فيما أقدموا عليه. قال حميدُ بن زياد : فكأنِّي ما قرأتُ هذه الآية قط، قال أبو منصور البغداديُّ التميمي : أصحابنا مجمعون على أنَّ أفضلهم الخلفاء الأربعة، ثم الستة الباقون إلى تمام العشرة، ثم البدريُّون، ثم أصحاب أحد، ثم أهل بيعة الرضوان بالحديبية.
فصل
واختلفوا في أول من آمن برسول الله ﷺ بعد امرأته خديجة مع اتفاقهم على أنَّها أوَّلُ من آمن برسول الله ﷺ فقال جابر : أوَّل من أسلم وصلَّى عليُّ بن أبي طالبٍ. قال مجاهدٌ وابن إسحاق : أسلم وهو ابن عشر سنين. وقال ابنُ عباسٍ، وإبراهيم النخعي، والشعبي : أوَّلُ من آمن بعد خديجة أبو بكر الصديق. وقال الزهريُّ وعروة بنُ الزُّبير : أوَّلُ من أسلم زيدُ بن حارثة.