وكان إسحاق بن إبراهيم الحنظلي بجمع بين هذه الأخبار فيقول :« أول من أسلم من الرجال أبو بكر، ومن النساءِ خديجة ومن الصِّبيان عليّ، ومن العبيد زيد بن حارثة ». قال ابن إسحاق : لمَّا أسلم أبُو بكر أظهر إسلامه، ودعا إلى الله وإلى رسوله، وكان رجُلاً محسناً سَهْلاً، وكان تَاجِراً، ذا خُلِقٍ، وكان رجال قومه يأتُونهُ ويألفونهُ، لعلمه وحُسن مجالسته. فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه فأسلم على يده فيما بلغني عثمان والزبيرُ بنُ العوام وعبدُ الرحمن بن عوفٍ وسعدُ بنُ أبي وقَّاص وطلحةُ بنُ عبيد الله؛ فجاء بهم إلى رسُول الله ﷺ حين أسلمُوا وصلُّوا معه، فكان هؤلاء الثمانية نفر الذين سبقوا إلى الإسلامِ، ثم تتابع النَّاسُ في الدُّخُولِ في الإسلامِ، أمَّا السابقُون من الأنصار الذين بايعُوا رسولَ الله ﷺ ليلة العقبة الأولى وكانوا ستة نفر ثم أصحاب العقبة الثانية وكانوا اثني عشر رجلاً، ثم العقبة الثالثة وكانوا سبعين فهلاء سباق الأنصار. ثمَّ بعثَ رسُول الله، مصعب بن عمير إلى أهل المدينة يعلِّمهم القرآن؛ فأسلم على يده خلق كثير وجماعة من النساء والصبيان.
والمراد بالمهاجرين الذين هاجروا قومه وعشيرتهم، وفارقُوا أوطانهم، والأنصار الذين نصروا رسول الله ﷺ على أعدائه، وآووا أصحابه.
﴿ والذين اتبعوهم بِإِحْسَانٍ ﴾ [ التوبة : ١٠٠ ] قيل : هم بقية المهاجرين والأنصار سوى السابقين الأولين وعلى هذا أتي ب « مِنْ » للتبعيض. وقيل : هم الذين سلكُوا سبيلهم في الإيمان والهجرة والنصرة إلى يوم القيامة. وقال عطاءٌ : الذين يذكرُون المهاجرين والأنصار بالتَّرحم والدُّعاء. ثم جمع الله في الثَّواب فقال :﴿ رَّضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنهار ﴾ وقرأ ابنُ كثير :« تَجْري من تحْتِهَا » ب « مِن » الجارَّة، وهي مرسومةٌ في مصاحف مكَّة. والباقون « تَحْتها » بدونها ولم تُرسَمْ في مصاحفهم. وأكثرُ ما جاء القرآن موافقاً لقراءةِ ابنِ كثير في غير موضع.
قوله :﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ... ﴾ خبر مقدَّم، و « مُنَافقُونَ » مبتدأ، و « مِنَ الأعْرابِ » لبيان الجنسِ. « ومِنْ أهْلِ المدينةِ » يجوزُ أن يكون نسقاً على « مَنْ » المجرورة ب « مِنْ »، فيكون المجروران مشتركين في الإخبار عن المبتدأ، وهو « مُنافقُونَ » بهما، كأنَّه قيل : المنافقون من قوم حولكم، ومن أهل المدينة، وعلى هذا هو من عطف المفردات، إذ عطفت خبراً على خبر، وعلى هذا، فيكون قوله :« مَرَدُوا » مستأنفاً لا محلَّ له. ويجوز أن يكون الكلامُ تمَّ عند قوله :« مُنافقُونَ » ويكونُ قوله « ومِنْ أهْلِ المدينةِ » خبراً مقدماص، والمبتدأ بعده محذوفٌ قامت صفتُه مقامه وحذفُ الموصوفِ وإقامةُ صفته مقامه - وهي جملة - مُطَّردٌ مع « مِنْ » التَّبعيضية، وقد مرَّ تحريره، نحو :« مِنَّا صفته مقامه - وهي جملة - مُطَّردٌ مع » مِنْ « التَّبعيضية، وقد مرَّ تحريره، نحو :» مِنَّ ظعن، ومِنَّا أقامَ « والتقدير : ومن أهلِ المدينةِ قومٌ، أو أناسٌ مرَدُوا، وعلى هذا فهو من عطف الجمل.


الصفحة التالية
Icon