ويجوز أن يكون « مَرَدُوا » على الوجه الأوَّلِ صفةً ل « مُنَافِقُون » وقد فُصل بينه وبين صفته بقوله :« ومِنْ أهل المدينةِ »، والتقدير : وممَّن حولكم، ومنْ أهْلِ المدينةِ منافقون ماردون.
قال ذلك الزجاجُ، وتبعه الزمخشريُّ، وأبو البقاء، واستبعده أبو حيَّان، للفصل بين الصِّفة وموصوفها.
قال :« فيصير نظيره في الدَّارِ زيدٌ، وفي القصر العاقل ». يعني ففصلت بين « زيد »، و « العاقل » بقولك :« وفي القصر ». وشبَّه الزمخشريُّ حذف المبتدأ الموصوف في الوجه الثَّاني، وإقامة صفته مقامه بقوله :[ الوافر ]
٢٨٣٩- أنَا ابْنُ جَلاَ.................. | ....................... |
٢٨٤٠- أنَا ابْنُ جَلاَ................. | ....................... |
٢٨٤١- يَرْمِي بِكَفِّي كَان مِنْ أرمَى البَشَرْ... والبيت المشار إليه، هو قوله :[ الوافر ]
٢٨٤٢- أنَا ابنُ جَلاض وطلاَّعُ الثَّنَايَا | مَتَى أضَعِ العِمامةَ تَعرِفونِي |
أحدها : ما تقدم. والآخر : أنَّ هذه الجملة محكيّة؛ لأنَّها قد سُمِّي بها هذا الرَّجلُ، فإنَّ » جَلاَ « فيه ضمير فاعل، ثم سُمِّي بها وحُكيَتْ كما قالُوا : شَابَ قَرْنَاهَا، وذَرَّى حَبّاً، وقوله :[ الرجز ]
٢٨٤٣- نُبِّئْتُ أخْوالِي بَنِي يَزِيدُ | ظُلْماً عليْنَا لهُمُ فَدِيدُ |
وقال ابن إسحاق : لجوُّا فيه وأبوا غيره. وقال ابنُ زيدٍ : أقاموا عليه ولم يتوبوا. وقد تقدَّم الكلام على هذه المادَّة في النِّساءِ، عند قوله :﴿ شَيْطَاناً مَّرِيداً ﴾ [ النساء : ١١٧ ].
قوله :» لا تَعْلمُهُم « هذه الجملةُ في محلِّ رفعٍ أيضاً صفةً ل » مُنَافِقُون «، ويجوزُ أن تكون مستأنفةً، والعلم هنا يحتمل أن يكون على بابه؛ فيتعدَّى لاثنين، أي : لا تعلمهم منافقين فحذف الثَّاني للدلالة عليه بتقدُّم ذكر المنافقين؛ ولأنَّ النفاق من صفاتِ القلب، لا يطلع عليه. وأن تكون العرفانية فتتعدَّى لواحد، قاله أبُو البقاءِ. وأمَّا » نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ « فلا يجوزُ أن تكون إلاَّ على بابها، لما تقدَّم في الأنفال، وإن كان الفارسيُّ في إيضاحه صرَّح بإسناد المعرفة إليه تعالى، وهو محذُورٌ لما تقدَّم.