وعلى الثاني تكون الجملة صفة ل « صدقة » ليس إلاَّ، وأمَّا « تُزَكِّيهم » فالتاء فيه للخطاب لا غير، لقوله « بها »، فإنَّ الضمير يعود على الصَّدقة فاستحال أن يعود الضميرُ من « تُزكِّيهم » إلى الصَّدقة. وعلى هذا فتكونُ الجملةُ حالاً من فاعل « خُذ » على قولنا : إنَّ « تَطهِّرهُم » حال منه، وإنَّ التَّاء فيه للخطاب. ويجوزُ أيضاً أن تكون صفةً إن قلنا : إنَّ « تُطهِّرهم » صفةٌ، والعائدُ منها محذوفٌ. وجوَّز مكيٌّ أن يكون « تُطهِّرُهُم » صفةً ل « صَدقةً »، على أنَّ التَّاء للغيبة، و « تُزكِّيهم » حالاً من فاعل « خُذْ »، على أنَّ التاء للخطاب، ورَدُّوهُ عليه بأنَّ الواو عاطفةٌ، أي : صدقة مطهِّرة، ومُزكياً بها، ولو كان بغير واوٍ جاز، ووجهُ الفسادِ ظاهرٌ، فإنَّ الواو مُشتركةٌ لفظاً ومعنى، فلو كانت « وتُزكِّيهم » عطفاً على « تُطهِّرُهم » للزمَ أن يكون صفةً كالمعطوفِ عليه؛ إذْ لا يجُوزُ اختلافهما، ولكن يجوزُ ذلك على أن « تُزكِّيهم » خبر مبتدأ محذوف، وتكون الواوُ للحالِ، تقديره : وأنت تزكِّيهم، وفيه ضعفٌ، لقلَّةِ نظيره في كلامهم. وتلخَّص من ذلك أنَّ الجملتين يجُوزُ أن تكونا حالين من فاعل « خُذْ » على أن تكون التاءُ للخطابِ، وأن تكونا صفتين ل « صَدقَة » على أنَّ التاء للغيبة، والعائد محذوفٌ من الأولى، وأن يكُون « تُطهِّرهُم » حالاً، أو صفة، و « تُزكِّيهم » حالاً على ما جوَّزه مكيٌّ، وأن يكون « تزكِّيهم » خبر مبتدأ محذوف، والواوُ للحال. وقرأ الحسنُ « تُطْهرُهم » مُخَفَّفاً من « أطهر » عدَّاهُ بالهمزة.

فصل


دلَّت هذه الآية على أنَّ الزَّكاة تتعلَّق بالأموال لا بالذِّمة، لقوله ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ فلو مات أخذَت من التَّركة. وقال الشَّافعيُّ : إنَّها تتعلَّق بالذِّمة، فلو فرط حتى هلك النصاب، وجبت الزَّكاةُ؛ لأنَّ الذي هلك ما كان محلاً للحق. ودلَّت الآية أيضاً على أنَّ الزَّكاة إنَّما وجبت طهرة للآثام؛ فلا تجبُ إلا على البالغِ. وهو قول أبي حنيفة. وإذا قلنا : تتعلَّق بالمالِ وجبت في مال الصَّبي، وفي مال المديُونِ.

فصل


معنى التَّطَهُّر ما روي أن الصدقة أوساخ النَّاسِ، فإذا أخذت الصدقة فقد اندفعت تلك الأوساخُ؛ فكان دفعها جارياً مجرى التَّطهر. والتَّزكية : مبالغة في التطهر، وقيل : التَّزكية بمعنى الإنماءِ، وقيل : الصَّدقة تطهرهم من نجاسةِ الذَّنب والمعصية، والرسول يزكيهم، ويعظم شأنهم ويثني عليهم عند إخراجها إلى الفقراء. ولذلك يقولُ السَّاعي له : آجرك اللهُ فيما أعطيت، وبارك لك فيما أبقيت، وجعله لك طهوراً.
قوله :﴿ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ﴾. قرأ الأخوان، وحفص « إنَّ صلاتكَ »، وفي هود


الصفحة التالية
Icon