وقوله :﴿ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ ﴾ أي : من الأحداث والجنابات والنجاسات.
قال عطاءٌ : كانوا يستنجون بالماءِ، ولا ينامون الليل على جنابة. روى أبو هريرة عن النبي - ﷺ - قال : نزلت هذه الآيةُ في أهل قُباء ﴿ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ ﴾ قال : كانوا يستنجون بالماءِ؛ فنزلت فيهم هذه الآية، ﴿ والله يُحِبُّ المطهرين ﴾.
وروي أنَّ النبي ﷺ وقف على باب مسجد قباء وقال :« يا معْشَر الأنْصَارِ إنَّ الله أثْنَى عليكُم، فما الذي تصْنَعُونَ فِي الوضُوءِ؟ » فقالوا : نتبع الأحجار بالماءِ، فقرأ النبيُّ ﷺ ﴿ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ ﴾ الآية. «
قالوا : المرادُ منه : الطهارة بالماء بعد الحجر. وقيل : المرادُ منه : الطَّهارة من الذنوب والمعاصي.
وقيل : محمول على الأمرين.
فإن قيل : لفظ الطَّهارة حقيقة في إزالة النَّجاسات، ومجاز في البراءة عن المعاصي، واستعمال اللفظ الواحدة في الحقيقة، والمجاز معاً لا يجوزُ.
فالجوابُ : أنَّ لفظ النَّجس اسم للمستقذر، وهذا القذرُ مفهوم مشترك فيه بين القسمين، فزال السُّؤال.
قوله :﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ ﴾.
قرأ نافع، وابن عامر » أسِّسَ « مبنياً للمفعول، » بُنيانُه « بالرفع، لقيامه مقام الفاعل.
والباقون » أسَّسَ « مبنياً للفاعل، » بُنيانَهُ « مفعول به، والفاعل ضمير » مَنْ « وقرأ عمارة بن عائذ الأوَّل مبنياً للمفعول، والثاني مبنياً للفاعل، و » بُنْيَانهُ « مرفوع على الأولى ومنصوب على الثانية لما تقدَّم.
وقرأ نصر بن علي، ونصر بن عاصم » أسسُ بُنيانِهِ «. وقرأ أبُو حيوة » أساسُ بُنيانِهِ « جمع » أُسِّ «. وروي عن نصر بن عاصم أيضاً » أَسُّ « بهمزة مفتوحة وسين مضمومة.
وقرىء » إسَاسُ « بالكسر، وهي جموع أضيفت إلى » البُنيانِ «. وقرىء » أسَاسُ « بفتح الهمزة و » أسّ « بضم الهمزة وتشديد السين، وهما مفردان أضيفا إلى البنيان.
ونقل صاحبُ اللوامح فيه » أسَسُ « بالتخفيف ورفع السين، » بنيانِهِ « بالجر، ف » أسس « مصدر أسس الحائط، يؤسسُه أسَساً، وأسًّا. فهذه عشر قراءات، والأسُّ والأسَاسُ القاعدةُ التي يبنى عليها الشيءُ. ويقالُ : كان ذلك على أس الدهر، كقولهم : على وجه الدهر. ويقال : أسَّ، مضعفاً : أي : جعل له أسَاساً، وآسَسَ، بزنة » فاعل «.
و » البُنْيَان « فيه قولان :
أحدهما : أنَّهُ مصدر، ك : الغُفْران، والشُّكران، وأطلق على المفعول ك » الخَلْق « بمعنى المخلوق، وإطلاق المصدر على المفعول مجاز مفهومٌ، يقالُ : هذا ضربُ الأمير ونسج زيدٍ، أي : مضروبه، ومنسوجه.
والثاني : أنَّهُ جمعٌ، وواحده » بُنْيَانة « ؛ قال الشاعرُ :
٢٨٤٨- كَبُنْيَانَةِ القَرْيِيِّ موضِعُ رَحْلِهَا | وآثَارُ نِسْعَيْهَا مِنْ الدَّفِّ أبْلَقُ |