وأما توسط الخبر؛ فهو مبنيٌّ على جوازِ مثل هذا التركيب في مثل :« كان يقُومُ زيد »، وفيه خلافٌ والصحيحُ المنع. وأمَّا الوجه الأخير؛ فضعيف جداً، من حيثُ أضمر في « كاد » ضميراً، ليس له علىمن يعود إلاَّ بتوهُّم ومن حيثُ يكونُ خبر « كاد » رافعاً سبباً. قال شهابُ الدِّين : كيف يقولُ « والصَّحيحُ المنعُ » وهذا التركيب موجود في القرآن، كقوله تعالى :﴿ مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ ﴾ [ الأعراف : ١٣٧ ] ﴿ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا ﴾ [ الجن : ٤ ]، وفي قول امرىء القيس :[ الطويل ]
٢٨٥٦- وإنْ تَكُ سَاءَتْكَ مِنِّي خَليقَةٌ | ......................... |
فصل
« كاد » عند بعضهم تفيد المقاربة، وعند آخرين تفيدُ المقاربة مع عدم الوقوع و « الزيغ » الميل، أي : من بعد ما كاد تميلُ قلوب فريق منهم، أو بعضهم، ولم يرد الميل عن الدِّين بل أراد الميل للتخلف، والانصراف؛ فهذه التوبةُ توبةٌ عن تلك المقاربة.
واختلفوا في الذي وقع في قلوبهم، فقيل : هَمَّ بعضهم عند تلك الشدَّة العظيمة أن يفارق الرسول، لكنه صبر واحْتَسبَ؛ فلذلك قال تعالى :﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ﴾ لمَّا صبرُوا وندمُوا على ذلك الأمر اليسير. وقال آخرون : بل كان ذلك تحدث النفس الذي كان مقدمة العزيمة، فلمَّا نالتهم الشِّدة، وقع ذلك في قلوبهم، ومع ذلك تلافوا هذا اليسيرَ خوفاً من أن يكون معصية؛ فلذلك قال تعالى :﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ﴾.
فإن قيل : ذكر التوبة في أوَّل الآية، وفي آخرها، فما فائدة التَّكرارِ؟
فالجوابُ من وجوه :
أحدها : أنَّهُ تعالى ابتدأ بذكر التَّوبةِ قبل ذكرِ الذَّنبِ تَطْيبباً لقلوبهم ثم لمَّا ذكر الذَّنبَ أردفه مرة أخرى بذكر التوبة؛ تعظيماً لشأنهم.