قوله :﴿ أَن لاَّ مَلْجَأَ ﴾ « أنْ » هي المخففة سادَّة مسدَّ المفعولين، و « لا » وما في حيَّزها الخبرُ، و ﴿ مِنَ الله ﴾ خبرها، ولا يجوزُ أن تتعلق ب « مَلْجَأ »، ويكون « إلاَّ إليْهِ » الخبر لأنه كان يلزم إعرابه؛ لأنَّهُ يكون مطوَّلاً.
وقد قال بعضهم : إنَّه يجوزُ تشبيهُ الاسم المُطَوَّل بالمضاف فيُنتزعُ ما فيه من تنوينٍ ونونٍ، كقوله :[ الطويل ]

٢٨٥٨- أرَانِي ولا كُفرانَ للهِ أيَّةً .....................
وقوله ﷺ :« لا صَمْتَ يومٌ إلى اللَّيْلِ » برفع « يومٌ » وقد تقدم ذلك [ الأنفال : ٤٨ ].
قوله :« إلاَّ إليه » استثناء من ذلك العامِّ المحذوفِ، أي : لا ملجأ لأحدٍ إلاَّ إليه كقولك :« لا إله إلاَّ الله ».

فصل


هؤلاء الثلاثة هم المذكورون في قوله تعالى ﴿ وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ الله ﴾ [ التوبة : ١٠٦ ].
واختلفوا في السبب الذي لأجله وصفوا بكونهم مخلفين فقيل : ليس المراد أنهم أمروا بالتَّخلفِ، أو حصل الرِّضا من الرَّسول بذلك، بل هو كقولك لصاحبك أين خلفت فلاناً؟ فيقولُ : بموضع كذا، لا يريدُ به أنَّهُ أمره بالتخلُّف، بل لعلَّه قد نهاهُ عنه، وإنَّما يريدُ أنَّهُ تخلَّف عنه.
وقيل : لا يمتنعُ أن هؤلاء الثلاثة كان عزمهم الذهاب إلى الغزوِ؛ فأذن لهُمُ الرَّسُولُ - ﷺ - في قدر تحصيل الآلات، فلما بقوا مدة ظهر التواني والكسل، فصح أن يقال : خلفهم الرسول.
وقيل : إنه حكى قصة أقوام وهم المرادون بقوله ﴿ وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ الله ﴾ [ التوبة : ١٠٦ ] والمرادُ من كون هؤلاء مخلفين كونهم مؤخرين في قبول التوبة. قال كعبُ بنُ مالكٍ، وهو أحد الثلاثةِ : قول الله في حقنا ﴿ وَعَلَى الثلاثة الذين خُلِّفُواْ ﴾ ليس من تخلفنا إنَّما هو تأخيرُ رسُول الله ﷺ أمرنا؛ يشير إلى قوله :﴿ وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ الله ﴾ [ التوبة : ١٠٦ ]

فصل


هؤلاء الثلاثةُ هم : كعب بنُ مالكٍ الشَّاعر، وهلالُ بنُ أميَّة الذي نزلت فيه آية اللعان، ومُرارةُ بنُ الرَّبيع.
وفي قصتهم قولان :
الأولُ : أنَّهم ذهبوا خلف الرَّسولِ - ﷺ -، قال الحسنُ : كان لأحدهم أرضٌ ثمنها مائة ألف درهم فقال : يا أرضاهُ ما خلَّفني عن رسول الله ﷺ إلاَّ أمرك؛ فاذهبي في سبيل الله، فلأكابدن المفاوز حتى أصل إلى رسُول الله ﷺ وفعل، وكان للثاني أهلٌ فقال : يا أهلاهُ ما خلَّفني عن رسول الله ﷺ إلا أمرك؛ فلأكابدن المفاوز حتَّى أصل إليه وفعل. والثالث : ما كان ذا مال ولا أهل فقال : ما لي سبب إلا الضَّن بالحياةِ، والله لأكابدن المفاوز حتى أصل إلى رسول الله ﷺ ؛ فلحقوا برسُول الله ﷺ فنزل قوله


الصفحة التالية
Icon