قوله تعالى :﴿ وَسْئَلْهُمْ عَنِ القرية التي كَانَتْ حَاضِرَةَ البحر ﴾ الآية.
المقصود تعرف هذه القصة من قبلهم؛ لأنَّ الرسول - عليه الصَّلاة والسَّلام - قد علمها من قبل الله تعالى، والمقصود من ذكر هذا السؤال أحد أشياء :
الأول : المقصود منه تقرير أنهم كانوا قد أقْدَمُوا على هذا الذنب القبيح تَنْبِيهاً لهم على إصرارهم على الكفر بمحمد - ﷺ -.
والثاني : أنَّ الإنسان قد يقول لغيره هل الأمر كذا وكذا؟ ليعرف ذلك بأنه محيط بمعرفةِ تلك الواقعة وغير غافل عنها. ولمَّا كان النبي ﷺ رجلاً أمياً لم يعلم علماً، ولم يطالع كتاباً، ثمَّ إنَّه يذكر هذه القصص على وجوهها من غير تفاوت ولا زيادة ولا نقصان، كان ذلك جارياً مجرى المعجزة.
قوله :« عَنِ القَرْيَةِ » لا بُدَّ من مضافٍ محذوفٍ، أي : عن خبر القرية، وهذا المحذوفُ هو النَّاصِبُ لهذا الظرف وهو قوله « إذْ يَعْدُون ».
وقيل : هو منصوب ب « حَاطِرَة ».
قال أبُو البقاء : وجوَّزَ ذلك أنها كانت موجودةً في ذلك الوقت ثم خربت.
وقدر الزمخشريُّ : المُضاف « أهل » أي : عن أهل القرية، وجعل الظرف بدلاً من « أهل » المحذوف فإنَّهُ قال :« إذْ يَعْدُون » بدل من القرية، والمرادُ بالقرية : أهلُها كأنه قيل : واسألهم عن أهل القرية وقت عدوانهم في البيت، وهو من بدل الاشتمال.
قال أبُو حيَّان وهذا لا يجوزُ؛ لأن « إذْ » من الظُّرُوف التي لا تتصرَّفُ، ولا يدخل عليها حرفُ جر، وجعلها بدلاً يجَوِّزُ دخول « عن » عليها؛ لأنَّ البدل هو على نِيَّةِ تكرار العامل ولو أَدْخَلْتَ « عن » عليها لم يجز، وإِنَّما يتصرَّف فيها بأن تُضيف إليها بعض الظُّروف الزَّمانية نحو : يوم إذ كان كذا، وأمَّا قول من ذهب إلى أنَّها تكونُ مفعولةً ب « اذكر » فقولُ مَنْ عَجَزَ عن عن تأويلها على ما ينبغي لها من إبقائها ظرفاً.
وقال الحوفيُّ :« إذ » متعلقةٌ ب « سَلْهم ».
قال أبُو حيان : وهذا لا يتصوَّر، لأن « إذْ » لما مضى، و « سَلْهم » مستقبلٌ، لو كان ظرفاً مستقبلاً لم يَصِحَّ المعنى؛ لأنَّ العادين - وهم أهل القريةِ - مفقودون فلا يمكن سُؤالهم والمسئول غير أهل القرية العادين.
وقرأ شهر بن حوشب وأبو نهيك « يَعَدُّون » بفتح العين وتشديد الدَّالِ، وهذه تُشبه قراءة نافع في قوله ﴿ لاَ تتَعْدُواْ فِي السبت ﴾ [ النساء : ١٥٤ ] والأصل : تَعْتَدوا، فأدغم التاء في الدال لمقاربتها لها.
وقُرىء « يُعِدُّونَ » بضمِّ الياء وكسر العين وتشديد الدال من : أعَدَّ يُعِدُّ إعداداً إذ هَيَّأ آلاته، لما ورد أنهم كانوا مأمورين في السبت بالعبادةِ، فيتركونها ويُهَيِّئُونَ آلاتِ الصَّيد.


الصفحة التالية
Icon