قوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾ الآية.
لمَّا شرح أحوال المشركين ذكر أحوال المؤمنين، قال القفال :﴿ إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾ أي : صدقُوا بقُلوبهم، ثم حَقَّقُوا التَّصديقَ بالعملش الصَّالحِ الذي جاءت به الأنبياء من عند الله.
ثم ذكر بعد ذلك درجات كراماتهم فقال :﴿ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ ﴾ فقيل : يهديهم إلى الجنَّة ثواباً على إيمانهم وأعمالهم الصَّالحة، ويدلُّ عليه قوله - تعالى - :﴿ يَوْمَ تَرَى المؤمنين والمؤمنات يسعى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم ﴾ [ الحديد : ١٢ ]، وما روي أنَّهُ - ﷺ - قال :« إنَّ المُؤمِنَ إذا خرج مِنْ قَبْرِهِ صوِّرَ لَهُ عملهُ في صُورةٍ حسنةٍ، فيقول لهُ : أنا عملك، فيكون له نُوراً وقائداً إلى الجنَّةِ، والكافر إذا خرج من قبرهِ صُوِّر لهُ عملهُ في صُورةٍ سيِّئةٍ، فيقول له : أنا عملُكَ، فينطلقُ به حتَّى يدخله النَّار »، وقال مجاهد : المؤمنُ يكون له نُورٌ يَمْشِي به إلى الجنَّة. قال ابن الأنباري : إيمانهم يهديهم إلى خصائص المعرفة، ولوامع من النُّور تشرقُ بها قُلوبُهم، وتزول بواسطتها الشُّكُوك والشُّبهات، كقوله - تعالى - :﴿ والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ ﴾ [ محمد : ١٧ ] وهذه الفوائدُ يجوزُ حصولها في الدُّنيا قبل الموت، ويجوز حصولها في الآخرة بعد الموت؛ قال القفال : وإذا حملنا الآية على هذا الوجه؛ كان المعنى : يهديهم ربُّهم بإيمانهم، وتجري من تحتهم الأنهار، إلاَّ أنَّه حذف الواو، وقيل :« تَجْرِي من تَحْتِهمْ » مُستأنفاص مُنقطعاً عمَّا قبله، ويجوز أن يكون حالاً من مفعول « يهديهم ».
قوله تعالى :﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنهار ﴾ المراد : أن يكونوا جالسين على سُرُرٍ مرفوعة في البساتين، والأنهار تجري من بين أيديهم، كقوله :﴿ قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً ﴾ [ مريم : ٢٤ ]، وهي ما كانت قاعدة عليه بل المعنى : بين يديك، وكذا قوله :﴿ وهذه الأنهار تَجْرِي مِن تحتيا ﴾ [ الزخرف : ٥١ ] أي : بين يدي، وقيل :﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ﴾ أي : بأمرهم.
قوله :« فِي جَنَّاتِ » يجوز أن يتعلَّق ب « تَجْري »، وأن يكون حالاً من « الأَنْهَار »، وأن يكون خبراً بعد خبر ل « إنَّ »، وأن يكون متعلِّقا ب « يَهْدِي ».
قوله :« دَعْوَاهُمْ » مبتدأ، و « سُبْحانَكَ » معمول لفعل مقدَّر لا يجوز إظهاره هو الخبر، والخبرُ هنا هو نفسُ المبتدأ، والمعنى : أن دعاؤهم هذا اللفظ، ف « دَعْوَى » يجوزُ أن يكون بمعنى الدعاء، ويدلُّ عليه « اللَّهُمَّ » ؛ لأنَّه نداء في معنى يا الله، يقال :« دَعَا يَدْعُو دُعَاء ودَعْوَى »، كما يقال :« شكى يَشْكُو شِكَايةً وشَكْوى »، ويجوز أن يكون الدُّعاء هنا بمعنى العبادة، نظيره قوله تعالى :﴿ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله ﴾ [ مريم : ٤٨ ] أي : وما تعبدون، ف « دَعْوَى » : مصدرٌ مضاف للفاعل، ثم إن شئتَ أن تجعل هذا من باب الإسناد اللفظي، أي : دعاؤهُم في الجنَّة هذا اللفظُ بعينه، فيكون نفسُ « سُبْحانَكَ » هو الخبر، وجاء به مَحْكيّاً على نصبه بذلك الفعل، وإن شئتَ جعلتهُ من باب الإسناد المعنوي؛ فلا يلزمُ أن يقولوا هذا اللفظ فقط، بل يقولونه وما يؤدِّي معناه من جَميع صفات التنزيه والتَّقديس، وقد تقدَّم نظير هذا عند قوله تعالى :