﴿ وَقُولُواْ حِطَّةٌ ﴾ [ البقرة : ٥٨ ].
وقيل : المراد من الدَّعْوَى : نفس الدَّعوى التي تكون للخَصْمِ على خَصْمِه.
والمعنى : أنَّ أهل الجنَّة يعون في الدُّنيا وفي اآخرة تنزيه الله عن كل المعايب، والإقرار له بالإلهيَّة.
قال القفال : وأصل ذلك من الدُّعاء، لأن الخصم يدعُو خصمهُ إلى من يحكم بينهما.
قال أبو مسلم :« دَعْوَاهُمْ » أي : فعلهم وإقرارهم، ونداؤهُم هو قولهم « سُبْحَانَكَ اللهم » قال القاضي :« دَعْواهُمْ » أي : طريقتهم في تمجيد الله وتقديسه وشأنهم وسنَّتهم؛ لأنَّ قوله « سُبْحَانَكَ اللهم » ليس بدعاءٍ ولا بدعوى، إلاَّ أنَّ المُدَّعي للشيء يكون مواظباً على ذكره، لا جرم جعل لفظ « الدَّعْوى » كناية عن تلك المواظبة والملازمة. فأهلُ الجنَّة لمَّا كانُوا مواظبين على هذا الذكر، أطلق لفظ « الدَّعْوَى » عليهم، وقال القفال : قيل في قوله :﴿ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ ﴾ [ يس : ٥٧ ] أي : ما يتمنونهُ، والعرب تقول : ادع ما شئت عليّ أي : تمنّ ما شِئْتَ.
وقال ابن جريج : أخبرت أن قوله ﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهم ﴾ : هو أنَّه إذا مرَّ بهم طيرٌ يشتهونه، قالوا : سبحانك اللَّهُمَّ، فيأتيهم الملك بذلك المشتهى. قال ابن الخطيب :« وفيه وجه آخر : وهو أن يكون المعنى : أنَّ تمنيهم في الجنَّة أن يسبحوا الله - تعالى -، أي : تمنيهم لما يتمنَّونهُ، ليس إلاَّ في تسبيح الله، وتقديسه، وتنزيهه ».
قوله :« سُبْحَانَكَ اللهم » قال بعض المفسِّرين : إنَّ أهل الجنَّة جعلوا هذا الذِّكر علامة على طلب المشتهيات فيؤتَوْنَ بذلك المشتهى فإذا نالوا من شهرتهم، قالوا :﴿ الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين ﴾، وضعف ابن الخطيبِ هذا من وجوهٍ :
أحدها : أنَّ حاصل هذا الكلام يرجع إلى أنَّ أهل الجنَّة جعلوا هذا الذِّكر العالي المُقدَّس علامة على طلب المأكول والمنكوح، وهذا في غاية الخساسة.
وثانيها : أنَّه - تعالى - قال في صفة أهل الجنة ﴿ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ ﴾ [ النحل : ٥٧ ]، فإذا اشتهوا أكل ذلك الطَّيْر، فلا حاجة بهم إلى الطَّلب، فسقط هذا الكلام.
وثالثها : أنَّ هذا صرف للكلام عن ظاهره الشريف العالي، إلى محل خسيس لا إشعار للفظ به. وإنما المرادُ : أنَّ اشتغالَ أهل الجنَّة بتقديس الله - سبحانه -، وتحميده، والثناء عليه؛ لأنَّ سعادتهم، وابتهاجهم، وسرورهم بهذا الذِّكر.
قال القاضي : إنَّه - تعالى - لمَّا وعد المتَّقين بالثَّواب العظيم، في قوله أوَّل السورة :