حين سألوه عن رؤية الله - تعالى -، وقوله - ﷺ - :« هل تُمارُونَ في رُؤيةِ القمرِ ليلة البدر؟ » فوجب إجراؤها على ظواهرها.
وقولهم :« الزِّيادة يجبُ أن تكُون من جنْسِ المزيد عليه »، فنقول : المزيد عليه إذا كان مقدراً بمقدار معيَّن، كانت الزِّيادةُ من جنسها، وإذا كان مقدراً بمقدار غير معيَّن، وجب أن تكون الزِّيادة مخالفة له، مثال الأول : قول الرَّجُل لغيره : أعطْتُك عشرة أمدادٍ من الحنطة وزيادة، فتكون تلك الزيادة من الحنطة، ومثال الثاني : قوله أعطيتك الحنطة وزيادة، فيجبُ أن تكون الزِّيادة غير الحنطة.
فلفظ :« الحُسْنَى » : وهي الجنَّة، مطلقة، وهي غير مقدَّرة بقدر معيَّن، فتكون الزِّيادة شيئاً مغايراً لما في الجنة.
وقوله :« الحديثُ يدلُّ على إثبات الوجه، وذلك يوجب التشبيه »، فنقولُ : قام الدَّليل على أنَّه - تعالى - ليس بجسم، ولم يقم الدَّليلُ على امتناع الرُّؤية، فوجب ترك العمل بما قام الدَّليل على فساده.
فصل
قال أبو العبَّاس المقري : وردت الحُسْنَى على أربعة معان :
الأول : بمعنى الجنَّة، قال - تعالى - :﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ ﴾ [ يونس : ٢٦ ].
الثاني : الحسنى : الصَّلاح، قال - تعالى - :﴿ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الحسنى ﴾ [ التوبة : ١٠٧ ] أي : الصَّلاح.
الثالث : البنون، قال - تعالى - :﴿ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الكذب أَنَّ لَهُمُ الحسنى ﴾ [ النحل : ٦٢ ] أي : البنُون.
الرابع : الخلف في النفقة، قال - تعالى - :﴿ فَأَمَّا مَنْ أعطى واتقى وَصَدَّقَ بالحسنى ﴾ [ الليل : ٥-٦ ] أي : بالخلف، ومثله ﴿ وَكَذَّبَ بالحسنى ﴾ [ الليل : ٩ ].
قوله :« وَلاَ يَرْهَقُ » فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها مستأنفةٌ.
والثاني : أنها في محل نصب على الحال، والعامل في هذه الحال : الاستقرار الذي تضمَّنَهُ الجارُّ، وهو « للَّذين » لوقوعه خبراً عن « الحُسْنَى »، قاله أبو البقاء، وقدَّره بقوله :« استقرَّ لهم الحسنى، مضموناً لهم السَّلامة »، وهذا ليس بجائزٍ؛ لأنَّ المضارع متى وقع حالاً منْفيَّا ب « لا »، امتنع دخولُ واو الحال عليه كالمثبت، وإن ورد ما يُوهم ذلك، يُؤوَّل بإضمار مبتدأ، وقد تقدَّم تحقيقه مراراً [ المائدة : ٥٤ ].
والثالث : أنها في محلِّ رفع نسقاً على « الحُسْنَى »، ولا بدَّ حينئذٍ من إضمار حرفٍ مصدريٍّ، يصحُّ جعلُه معه مخبراً عنه بالجارِّ، والتقدير : للذين أحسنوا الحسنى، وأنْ لا يرهق، أي : وعدم رهقهم، فلمَّا حذفت « أنْ » رفع الفعلُ المضارع؛ لأنَّه ليس من مواضع إضمار « أن » الناصبة، وهذا كقوله - تعالى - :﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ ﴾ [ الروم : ٢٤ ] أي : أن يريكم، وقوله :« تسْمَع بالمُعَيدي، خيرٌ من أن تراه ».
وقوله :[ الطويل ]
٢٨٨٩- ألاَ أيُّهَا الزَّاجري أحْضُرُ الوغَى | ....................... |