فقوله :« وأنْ غيرُ مقدَّرةٍ؛ لأنَّ الفعل » مرفوع « ليس بجيِّد؛ لأن قوله - تعالى - :﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ ﴾ [ الروم : ٢٤ ] معه » أنْ « مقدَّرة، مع أنه مرفوع، ولا يلزم من إضمار » أنْ « نصب المضارع، بل المشهور أنَّهُ : إذا أضمرت » أنْ « في غير المواضع التي نصَّ النحويُّون على إضمارها فيها ناصبة، ارتفع الفعلُ، والنصب ] قليلٌ جدّاً.

فصل


والرَّهق : الغشيان، يقال : رَهِقَهُ يَرْهقُه رَهَقاً، أي : غشيهُ بسرعة، ومنه ﴿ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي ﴾ [ الكهف : ٧٣ ]، ﴿ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً ﴾ [ الجن : ١٣ ]. يقال : رَهِقْتُه وأرْهَقْتُه نحو : رَدِفْتُه وأرْدَفْتُه، ففعل وأفعل بمعنًى، ومنه :»
أرْهَقْت الصَّلاة «، إذا أخَّرْتَها، حتى غَشِي وقتُ الأخرى، ورجلٌ مُرْهقٌ، أي : يغشاه الأضياف.
وقال الأزهريُّ :»
الرَّهَقُ : اسم من الإرهاق، وهو أن يحمل الإنسان على نفسه ما لا يطيقُ، ويقال : أرْهَقْتُهُ عن الصَّلاةِ، أي : أعْجَلْتُه عنها «.
وقال بعضهم : أصل الرَّهقِ، المقاربةُ، ومنه غلامٌ مراهقٌ، أي : قارب الحلم، ومنه الحديث »
ارْهَقُوا القبلة «، أي : أقربُوا منها، ومنه : رهقت الكلابُ الصَّيدَ، أي : لحقته، والقَتَر والقَتَرة، الغُبَارُ معه سوادٌ؛ وأنشدوا للفرزدق :[ البسيط ]
٢٨٩٠- مُتَوَّجٌ بِرِدَاءِ المُلْكِ يتْبَعُهُ مَوْجٌ تَرَى فوقَهُ الرَّاياتِ والقَتَرَا
أي : غبار العسكر، وقيل : القَتَرُ : الدُّخان، ومنه : قُتارُ القِدْر، وقيل : القَتْر : التَّقليل، ومنه ﴿ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ ﴾ [ الفرقان : ٦٧ ]، ويقال : قَتَرْتُ الشَّيء وأقْتَرْتُهُ وقتَّرته، أي : قَلَّلتُه، ومنه ﴿ وَعَلَى المقتر قَدْرُهُ ﴾ [ البقرة : ٢٣٦ ] وقد تقدَّم، والقترة، نامُوس الصَّائد، وقيل : الحفرة، ومنه قول امرىء القيس :[ المديد ]
٢٨٩١- رُبَّ رامٍ بَنِي ثُعلٍ مُتْلِجٍ كَفَّيْهِ في قُتَرِه
أي : في حُفرتهِ التي يحفُرها، وقرأ الحسن، وعيسى بن عمر، وأبو رجاء، والأعمش :»
قَتْرٌ «، بسكون التاء، وهما لغتان : قَتْر وقَتَر، كقَدْر وقَدَر.

فصل


المعنى : لا يَغْشَى وجوههم قتر : غبار، جمع قترة، وقال ابن عبَّاس، وقتادة : سواد الوُجُوه، »
ولا ذلَّةٌ « : هوان، وقال قتادة :» كآبة « قال ابن أبي ليلى :» هذا بعد نظرهم إلى ربِّهم «، ﴿ أولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ إشارة إلى كونها دائمة، آمنة من الانقطاع.
قوله تعالى :﴿ والذين كَسَبُواْ السيئات ﴾ الآية.
لمَّا شرح حال المسلمين، شرح بعدهُ حال المُسيئين.
قوله :﴿ والذين كَسَبُواْ ﴾ : فيه سبعةُ أوجه :
أحدها : أن يكون »
والذين « : نسقاً على » لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ «، أي : لِلَّذينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى، والذين كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جزاءُ سيِّئةٍ بمثلها، فيتعادل التَّقسيم، كقولك : في الدَّار زيدق، والحجرة عمرٌو، وهذا يسمِّيه النحويُّون : عطفاً على معمولي عاملين، وفيه ثلاثة مذاهب :
أحدها : الجواز مطلقاً، وهو قول الفرَّاء.
والثاني : المنعُ مطلقاً، وهو مذهبُ سيبويه.


الصفحة التالية
Icon