يعني : أنَّ « فاعل » بمعنى :« فعَّل »، و « زَايلَ » بمعنى :« فَارَقَ ».
قال :[ الطويل ]
٢٨٩٧- وقَالَ العَذَارَى :

إنَّما أنْتَ عَمُّنَا وكَانَ الشَّبَابُ كالخَليطِ يُزايلُهْ
وقال آخر :[ الطويل ]
٢٨٩٨- لعَمْري لمَوْتٌ لا عُقُوبةَ بعدَهُ لِذي البَثِّ أشْفَى من هَوًى لا يُزايلهْ
أي : يفارقه.
وقوله - تعالى - :« فَزيَّلْنا »، و « قال » هذان الفعلان ماضيان لفظاً، مستقبلان معنًى؛ لعطفهما على مستقبل، وهو « ويَوْمَ نَحْشُرهُمْ »، وهما نظيرُ قوله - تعالى - :﴿ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القيامة فَأَوْرَدَهُمُ ﴾ [ هود : ٩٨ ]. و « إِيَّانَا » : مفعولٌ مقدمٌ، قُدِّم للاهتمام به والاختصاص، وهو واجبُ التَّقديم على ناصبه؛ لأنَّه ضميرٌ منفصلٌ، لو تأخَّر عنه، لزم اتِّصاله، وقد تقدَّم الكلامُ على ما بعد هذا من « كَفَى » المخففة، واللاَّم التي بعدها، بما يُغْنِي عن الإعادة. [ البقرة١٩٨ ].

فصل


المعنى « ويَوْمَ نَحْشُرهُمْ » العابد والمعبُود، ثمَّ إن المعبود يتبرَّأ من العابد، ويتبيَّن لهُ أنَّه ما فعل ذلك بعلمه وإرادته، ونظيرهُ قوله - تعالى - :﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الذين اتبعوا مِنَ الذين اتبعوا ﴾ [ البقرة : ١٦٦ ]، وقوله :﴿ ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أهؤلاء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ﴾ [ سبأ : ٤٠ ].
و « الحَشْر » : الجمع من كل جانبٍ إلى موقفٍ واحدٍ ﴿ ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ ﴾ أي : الزَمُوا مكانكم « وشُرَكاؤكُم » يعني : الأوثان، حتَّى تسألوا، « فزيَّلْنَا بَيْنَهُم » أي : ميَّزنا وفرَّقنا بينهم، وجاءت هذه الكلمة على لفظ الماضي، بعد قوله :« ثُمَّ نقُولُ » وهو مستقبل؛ لأنَّ ما جاءكم الله بِهِ، سيكون صار كالكائن الآن، كقوله :﴿ ونادى أَصْحَابُ الجنة ﴾ [ الأعراف : ٤٤ ].
وأضاف الشُّركاء إليهم؛ لأنَّهم جعلُوا لهم نصيباً من أموالهم.
وقيل : لأنَّ الإضافة يكفي فيها أدنى تعليق، فلمَّا كان الكُفَّار هُم الذين أثبتُوا هذه الشَّركة، حسنت إضافة الشركاءِ إليهم، وقيل : لمَّا خاطب العابدين والمعبودين بقوله « مَكانَكُم » صارُوا شُركاء في هذا الخطاب.
قال بعض المُفسِّرين : المراد بهؤلاء الشُّركاء : الملائكة، واستشهدُوا بقوله - تعالى - :﴿ ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أهؤلاء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ﴾ [ سبأ : ٤٠ ]، وقيل : هم الأصنام، ثم اختلف هؤلاء كيف ذكرت الأصنام هذا الكلام؟ فقيل : إن الله - تعالى - يخلقُ فيها الحياة والعقل والنُّطق، وقيل : يخلق فيهم الرُّوح من غير حياةٍ، حتَّى يسمعُوا منهم ذلك.
فإن قيل : إذا أحياهُم الله هل يبقيهم أو يفنيهم؟.
فالجوابُ : أنَّ الكلَّ محتملٌ، ولا اعتراض على الله في أفعاله، وأحوال القيامة غير معلومة، إلاَّ القليل، ولا شك أن هذا خطاب تهديدٍ في حق العابدين، فهل يكُون تهديداً في حق المعبودين؟ قالت المعتزلة : لا يجُوزُ ذلك؛ لأنَّه لا ذنب للمعبود، ومن لا ذنب له، لم يصحَّ تهديده، وتخويفه، وقال أهلُ السُّنَّة : لا يسأل عما يفعل.
فإن قيل : قول الشركاء :﴿ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ﴾ وهم كانوا قد عبدوهم، يكون كذباً، وقد تقدَّم في سورة الأنعام، اختلاف الناس في أنَّ أهل القيامة هل يكذبون أم لا؟.


الصفحة التالية
Icon