[ النحل : ٧٨ ]، وهذا كالتَّصريح بأنَّه تعالى إنَّما خلق الجسد، وأعطى الحواسّ؛ لتكون آلة في اكتساب المعارف، والعلم.
قوله :﴿ يهدي إِلَى الحق ﴾، قد تقدَّم في أول الكتاب : أنَّ « هَدَى » يتعدَّى إلى اثنين ثانيهما : إمَّا باللاَّم أو بإلى، وقد يحذفُ الحرفُ تخفيفاً [ الفاتحة : ٦ ]، وقد جمع بين التعديتين هنا بحرف الجر، فعدَّى الأول والثالث ب « إلى »، والثاني باللاَّم، وحذف المعفول الأول من الأفعال الثلاثة، والتقدير : هل من شركائكم من يهدي غيره إلى الحق، قل الله يهدي من يشاء للحقِّ، أفمنْ يهدي غيره إلى الحقِّ، وزعم الكسائي، والفرَّاء، وتبعهما الزمخشري : أنَّ « يَهْدِي » الأول قاصرٌ، وأنَّه بمعنى : اهتدى، وفيه نظر؛ لأنَّ مقابله، وهو ﴿ قُلِ الله يَهْدِي لِلْحَقِّ ﴾ متعدٍّ، وقد أنكر المبرِّدُ أيضاً مقالة الكسائي، والفراء، وقال : لا نَعْرِفُ « هَدَى » بمعنى :« اهتدى ».
قال شهاب الدِّين « الكسائي والفرَّاء أثبتاه بما نقلاه، ولكن إنَّما ضعف ذلك هنا؛ لما ذكرتُ لك من مقابلته بالمتعدِّي، وقد تقدَّم أنَّ التعدية ب » إلى « أو اللاَّم، من باب التَّمن في البلاغة، ولذلك قال الزمخشري :» يقال : هداه للحقِّ وإلى الحقِّ، فجمع بين اللغتين «، وقال غيره :» إنَّما عدَّى المسند إلى الله باللاَّم؛ لأنَّها أدلُّ في بابها على المعنى المراد من « إلى » ؛ إذ أصلها لإفادة الملك، فكأنَّ الهداية مملوكةٌ لله - تعالى - «. وفيه نظر؛ لأنَّ المراد بقوله :﴿ أَفَمَن يهدي إِلَى الحق ﴾ هو الله - تعالى -، مع تعدِّي الفعل المسند إليه ب » إلى «.
قوله :﴿ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ ﴾ : خبرٌ لقوله :» أَفَنْ يهدي «، و » أنْ « في موضع نصبٍ، أو جرٍّ بعد حذف الخافض، والمفضَّلُ عليه محذوفٌ، وتقدير هذا كلّه : أفمن يهدي إلى الحقِّ أحقُّ بأن يُتَّبَع ممَّن لا يهدي. ذكر ذلك مكِّي بن أبي طالب، فجعل » أحَقُّ « هنا على بابها من كونها للتفضيل، وقد منع أبو حيَّان كونها للتَّفضيل، فقال : و » أحَقُّ « ليست للتفضيل، بل المعنى :» حَقيقٌ بأن يُتَّبع «، وجوَّز مكِّي أيضاً في المسألة وجهين آخرين :
أحدهما : أن تكون » مَنْ « مبتدأ أيضاً، و » أنْ « في محلِّ رفعٍ، بدلاً منها بدل اشتمال، و » أحَقُّ « خبرٌ على ما كان.
والثاني : أن يكون » أنْ يُتَّبَع « في محلِّ رفعٍ بالابتداء، و » أحَقُّ « خبره مقدَّمٌ عليه. وهذه الجملة خبر ل » مَنْ يَهْدِي «، فتحصَّل في المسألة ثلاثة أوجُه.
قوله :﴿ أَمَّن لاَّ يهدي ﴾ : نسقٌ على » أفَمَنْ «، وجاء هنا على الأفصح، مِنْ حيث إنَّهُ قد فصل بين » أمْ « وما عُطفتْ عليه بالخبر، كقولك : أزَيْدٌ قائمٌ أم عمرو، ومثله :