﴿ أذلك خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الخلد ﴾ [ الفرقان : ١٥ ]، وهذا بخلاف قوله - تعالى - :﴿ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ ﴾ [ الأنبياء : ١٠٩ ] وسيأتي هذا في موضعه، وقرأ أبو بكر عن عاصم : بكسر ياء « يهدِّي » وهائه، وحفص بكسر الهاء دون الياء، فأما كسر الهاء؛ فلالتقاء الساكنين، وذلك أنَّ أصله « يَهْتَدِي »، فلمَّا قُصِدَ إدغامُه سكنتِ التاء، والهاءُ قبلها ساكنة، فكسرت الهاءُ لالتقاء الساكنين، وأبو بكر أتبع الياء للهاء في الكسر، وقال أبو حاتم : في قراءة حفصٍ « هي لغة سُفْلَى مُضَرَ ».
ونقل عن سيبويه : أنَّه لا يجيز « يِهْدِي »، ويجيز « تِهْدِي، وإهْدِي »، قال :« لأنَّ الكسرة تثقلُ في الياء »، يعني : يُجيز كسر حرفِ المضارعة من هذا النَّحو، نحو : تِهْدِي ونِهْدِي وإِهْدِي، إذ لا ثقل في ذلك، ولم يجزهُ في الياء؛ لثقل الحركة المجانسةِ لها عليها، وهذا فيه غضٌّ من قراءة أبي بكرٍ، لكنه قد تواتر قراءة، فهو مقبولٌ، وقرأ أبو عمرو وقالون، عن نافع : بفتح الياء، واختلاس فتحة الهاء، وتشديد الدَّال، وذلك أنَّهُمَا لمَّا ثقَّلا الفتحة للإدغام، اختلسا الفتحة؛ تنبيهاً على أنَّ الهاءَ ليس أصلها الحركة، بل السُّكون، وقرأ ابن كثير، وابن عامر، وورش : بإكمال فتحة الهاء على أصل النقل، وقد رُوي عن أبي عمرو، وقالوا : اختلاسُ كسرةِ الهاءِ، على أصل التقاء الساكنين، والاختلاسُ للتنبيه على أنَّ أصل الهاءِ السُّكون كما تقدَّم، وقرأ أهلُ المدينة - خلا ورشاً - بفتح الياء وسكون الهاء وتشديد الدَّال، وهذه القراءةُ استشكلها جماعةٌ من حيث الجمع بين السَّاكنين، قال المبرد :« مَنْ رَامَ هذا، لا بد أن يحرك حركة خفيَّة » قال أبو جعفر النَّحاس : لا يقدر أحدٌ أن ينطقَ به. قال شهاب الدِّين :« وقد قال في التيسير :» والنَّصُّ عن قالون بالإسكان «، قلت : ولا بعد في ذلك؛ فقد تقدَّم أنَّ بعض القُرَّاء يَقْرَأ ﴿ نِعْمَّا ﴾ [ النساء : ٥٨ ] و ﴿ لاَ تَعْدُواْ ﴾ [ النساء : ١٥٤ ] بالجمع بين الساكنين، وتقدَّمت لك قراءاتٌ كثيرة، في قوله ﴿ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٠ ]، وسيأتي مثل هذا في ﴿ يَخِصِّمُونَ ﴾ [ يس : ٤٩ ].
وقرأ الأخوان »
يَهْدِي « بفتح الياء، وسكون الهاء، وتخفيف الدال، من هدى يَهْدي، وفيه قولان :
أحدهما : أنَّ »
هَدَى « بمعنى : اهتدى.
والثاني : أنَّه متعدٍّ، ومفعوله محذوفٌ كما تقدَّم، وتقدم في قول الكسائي، والفرَّاء في ذلك، وردُّ المبرد عليهما.
وقال ابن عطيَّة :»
والذي أقول : قراءةُ حمزة، والكسائيُّ؛ تحتمل أن يكون المعنى : أمْ مَنْ لا يهدي أحداً، إلاَّ أنْ يهدي ذلك الأحدُ بهداية الله، وأمَّا على غيرها من القراءات التي مقتضاها : أمْ مَنْ لا يهتدي، إلاَّ أنْ يُهْدَى. فيتجه المعنى على ما تقدَّم «، ثم قال :» وقيل : تمَّ الكلامُ عند قوله :« أمْ مَنْ لا يَهَدِّي »، أيك لا يهدِّي غيره «، ثم قال :» إلاَّ أنَّ يَهْدَى : استثناءٌ منقطع، أي : لكنه يحتاجُ إلى أن يُهْدَى، كما تقول : فلانُ لا يسمع غيره، إلاَّ أنْ يسمع، أي : لكنَّه يحتاجُ إلى أن يسمع «.


الصفحة التالية
Icon