وفيهما أربعة أوجه :
أحدها : أنَّ هذا في الأصْلِ فعلٌ ماضٍ سُمِّيَ به فأعربَ كقوله عليه الصَّلاة والسَّلام :« أنهاكم عن قيل وقال » بالإعراب والحكاية، وكذا قولهم :« مُذ شبَّ إلى دبَّ ومُذ شبٍّ إلى دَبٍّ »، فلما نُقل إلى الاسميَّة صار وصفاً ك : نِضْوا ونِقْض.
والثاني : أنَّهُ وصف وضع على فعل ك : حِلْف.
الثالث : أن أصله بَئيس كالقراءةِ المشهورة، فخفَّفَ الهمزة؛ فالتقت ياءان، ثم كسر الياء إتباعاً، كرغيف وشهيد فاستثقل توالي ياءين بعد كسرةٍ، فحذفت الياء المكسورة؛ فصار اللَّفظُ « بِيْسٍ » وهو تخريج الكسائيِّ.
الرابع : أن أصله بَئِس بوزن « كَتِف » ثم أتبعت الياءُ للهمزة في الكسر ثم سُكِّنت الهمزة، ثمَّ أبدلت يا ك : بِيرٍ وذِيبٍ.
وأمَّا قراءة ابن عامر فتحتمل أن تكون فعلاً منقولاً، وأن تكون وصفاً ك : حِلْف.
وقرأ أبو بكر عن عاصم بَيْئَسٍ بياء ساكنة بين باء، وهمزة مفتوحتين، وهو صفةٌ على فَيْعَل ك : ضَيْغَم، وصَيْرَف، وصَيْقَل، وهي كثيرةٌ في الأوصافِ.
وقرأ امرؤُ القيسِ :[ الرجز ]
٢٦٠٢ - كِلاهُمَا كَأنَ رَئِيساً بَيْئَسا... يَضْرِبُ في يومِ الهِيَاجِ القَوْنَسَا
وقرأ باقي السبعة « بَئِيسٍ » بزنه « رَئِيسٍ » وفيه وجهان :
أحدهما : أنَّهُ وصفٌ على « فَعِيلٍ » ك : شَدِيدٍ، وهو للمبالغة وأصله فاعل.
والثاني : أنه مصدرٌ وصف به أي : بعذابٍ ذي بأس بَئِيس، ف « بَئِيسٍ » مصدر مثل : النكثير والقدير، ومثر ذلك في احتمالِ الوجهين قول أبي الأصبع العدواني :[ مجزوء الكامل ]
٢٦٠٣ - حَنَقاً عليَّ ولا أرَى... لِيَ مِنْهُمَا شَرّاً بَئِيساً
وهي أيضاً قراءةُ عليٍّ وأبي رجاء.
وقرأ يعقوبُ القارئ « بَئِسَ » بوزن « شَهِدَ »، وقرأها أيضاً عيسى بنُ عُمَرَ، وزيد بن علي.
وقرأ نصرُ بنُ عاصم « بَأسَ » بوزن « ضَرَبَ » فعلاً ماضياً.
وقرأ الأعمش ومالك بنُ دينار « بَأس » فعلاً ماضياً، وأصله « بَئِس » بكسر الهمزة، فسكَّنَهَا تخفيفاً ك : شَهْدَ في قوله :[ الرجز ]
٢٦٠٤- لَوْ شَهْدَ عَاد فِيَ زَمَانِ تُبَّعِ... وقرأ ابنُ كثير وأهل مكة بِئِسٍ بكسر البَاءِ، والهمز همزاً خفيفاً، ولم يُبَيِّن هل الهمزة مكسورةٌ أو ساكنةٌ؟
وقرأ طلحة وخارجة عن نافع « بَيْسٍ » بفتح الباء، وسكون الياء مثل : كَيْلٍ، وأصله « بَيْئَس » مثل : ضَيْغَم فخفَّف الهمزة بقلبها ياءً، وإدغام الياء فيها ثم خفَّفهُ بالحذف ك : مَيْت في : مَيِّت.
وقرأ عيسى بن عمر والأعمش وعاصم في رواية « بَيْئٍسٍ » كقراءة أبي بكر عنه، إلاَّ أنَّهُ كسر الهمزة، وهذه قد ردَّها النَّاسُ؛ لأن « فَيْعِلاً » بكسر العين في المعتلِّ، كما أن « فَيْعَلاً » بفتحها في الصحيح ك : سَيِّد وضَيْغَم، على أنه قد شذّ « صَيْقِل » بالكسر، و « عَيَّل » بالفتح.


الصفحة التالية
Icon