قوله تعالى :﴿ وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ ﴾ الآية.
لمَّا أخبر - تعالى - عن الكفَّار، بأنهم يقولون :﴿ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ وأجاب عنه بما تقدَّم، حكى عنهم : أنهم رجعُوا إلى الرَّسُول مرَّة أخرى في هذه الواقعة، وسألوه عن ذلك السُّؤال مرَّة أخرى، وقالوا : أحقٌّ هو؟ واعلم : أنهم سالوا أولاً عن زمانِ وقوعه، وههنا سألوا عن تحقُّقه في نفسه، ولهذا اختلف جوابهما.
فأجاب عن الأول، وهو السؤال عن الزمان، بقوله ﴿ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ﴾ [ يونس : ٤٩ ].
وأجاب عن الثاني : بتحققه بالقسم، بقوله ﴿ إِي وربي إِنَّهُ لَحَقٌّ ﴾ وفائدته أن يستميلهم ويتكلم معهم بالكلام المعتاد؛ لأنَّ الظاهر أنَّ من أخبر عن شيء، وأكَّده بالقسم، فقد أخرجه عن الهَزل إلى الجدِّ، وأيضاً : فإنَّ النَّاس طبقات : فمنهم من لا يُقِرّ بشيءٍ إلاَّ بالبرهان الحقيقيِّ، ومنهم من ينتفع بالأشياء الإقناعيَّة، نحو القسم.
قوله :« أحَقٌّ هُوَ » يجوز أن يكون « حَقٌّ » مبتدأ، و « هو » مرفوعاً بالفاعليَّة سدَّ مسدَّ الخبر، و « حَقَّ » وإن كان في الأصل مصدراً ليس بمعنى اسم فاعل ولا مفعول؛ لكنَّه في قوَّة « ثابت » فلذلك رفع الظَّاهر، ويجوز أن يكون « حقٌّ » خبراً مقدَّماً، و « هو » مبتدأ مؤخراً، واختلف في « يَسْتَنبئُونَك » هذه : هل هي متعدِّيةٌ إلى واحدٍ، أو إلى اثنين، أو إلى ثلاثة؟.
فقال الزمخشري :« ويَسْتنْبِئُونك »، فيقولون : أحقٌّ هو فظاهرُ هذه العبارة أنَّها متعدية لواحدٍ، وأن الجملة الاستفهايمة في محلِّ نصب بذلك القول المضمر المعطوف على « يَسْتنبئُونَك » وكذلك فهم عنه أبو حيَّان، أعني : تعدِّيها لواحدٍ.
وقال مكِّي :« أحقٌّ هو ابتداءٌ وخبرٌ في موضع المفعُولِ الثاني، إذا جعلْتَ » يستنبئونك « بمعنى : يَسْتخْبِرُونكَ، فإذا جعلتَ » يَسْتَنْبِئُونَ « بمعنى : يَسْتعْلِمُونك، كان » أحقٌّ هُوَ « ابتداء وخبراً في موضع المفعولين؛ لأنَّ » أنْبَأ « إذا كان بمعنى : أعلم، وكان متعدِّياً إلى ثلاثةِ مفاعيل، يجوزُ الاكتفاءُ بواحدٍ، ولا يجوز الاكتفاء باثنين دون الثالث، وإذا كانت » أنبأ « بمعنى : أخْبَر، تعدَّت إلى مفعولين، ولا يجوزُ الاكتفاءُ بواحد دون الثاني، وأنبأ ونبَّأ في التعدِّي سواءٌ ».
وقال ابن عطيَّة :« معناه : يَسْتخبرونك، وهو على هذا يتعدَّى إلى مفعولين أحدهما الكافُ، والآخرُ في الابتداء والخبر » فعلى ما قال، تكون « يَسْتَنْبِئُونكَ » معلَّقة بالاستفهام، وأصل استنبأ : أن يتعدَّى إلى مقعولين أحدهما ب « عَنْ » تقول : اسْتَنْبَأتُ زيداً عن عمور، أي : طلبت منه أن يُنِْئَني عن عمرو، ثمَّ قال :« والظَّاهر أنَّها تحتاج إلى ثلاثة مفاعيل أحدها الكاف، والابتداء والخبر سدَّ مسدَّ المفعولين ».


الصفحة التالية
Icon