الثالث : أن يتعلَّق الجارُّ الأوَّل ب « جَاءَتكُم » قال الزمخشري :« ويجوز أن يراد : قد جاءتكم موعظةٌ بفضلِ الله وبرحمتهِ، فبذلك فليفرحوا، أي : فَبِمجِيئهما فليَفْرَحُوا ».
قال أبو حيَّان :« أمَّا إضمار » فليَعْتنُوا « فلا دليل عليه ». قال شهاب الدِّين :« الدَّلالةُ عليه من السِّياق واضحةٌ، وليس شرطُ الدَّلالةِ أن تكون لفظيَّة ».
وقال أبو حيَّان : وأمَّا تعلُّقُه بقوله :« قَدْ جَاءتُكم » فينبغي أن يُقدَّرَ محذوفاً بعد « قُلْ »، ولا يكونهُ متعلِّقاً ب « جَاءَتْكُم » الأولى؛ للفَصْل بينهما ب « قُلْ »، وهذا إيراد واضحٌ، ويجُوزُ أن يكون « بِفَضْلِ اللهِ » صفةً ل « مَوْعِظَة » أي : موعظةٌ مصاحبةٌ، أو ملتبسةٌ بفضل اللهِ.
الرابع : قال الحوفيُّ :« الباءُ متعلِّقةٌ بما دلَّ عليه المعنى، أي : قد جاءتكم الموعظة بفضل الله ».
الخامس : أنَّ الفاء الأولى زائدةٌ، وأنَّ قوله :« بذلك » بدلٌ ممَّا قبله، وهو « بِفَضْلِ الله وبرحمتهِ » وأُشير بذلك إلى اثنين؛ كقوله :﴿ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذلك ﴾ [ البقرة : ٦٨ ].
وقوله :[ الرمل ]

٢٩٠٧- إنَّ للخَيْرِ وللشَّرِّ مدًى وكِلاَ ذلكَ وجْهٌ وقَبَلْ
وفي هاتين الفاءين أوجهٌ :
أحدها : أنَّ الأولى زائدةٌ، وقد تقدَّم في الوجه الخامس.
الثاني : أنَّ الفاء الثانية مكررةٌ للتَّوكيد، فعلى هذا لا تكونُ الأولى زائدةً، ويكون أصل التَّركيب : فبذلك ليفرحوا، وعلى القول الأول قبلهُ يكون أصلُ التَّركيب : بذلك فليَفْرَحُوا.
الثالث : قال أبو البقاء : الفاءُ الأولى مرتبطةٌ بما قبلها، والثانيةُ بفعلٍ محذوفٍ، تقديره : فليَعْجَبُوا بذلك فليَفْرَحُوا؛ كقولهم : زيداً فاضربه، أي : تعمَّد زيداً فاضربه والجمهورُ على « فَلْيَفْرَحُوا » بياء الغيبة.
وقرأ عثمان بن عفان، وأبيُّ، وأنس، والحسن، وأبو جراء، وابن هرمز، وابن سيرين : بتاء الخطاب، وهي قراءةُ رسول الله ﷺ، قال الزمخشري :« وهو الأصلُ والقياسُ ».
قال أبو حيَّان :« إنَّها لغةٌ قليلة ».
يعنى أنَّ القياسَ أن يُؤمَرَ المخاطب بصيغةِ « افعل »، وبهذا الأصل قرأ أبيُّ :« فَافْرَحُوا » وهي في مصحفه كذلك، وهذه قاعدةٌ كُلِّيَّةٌ : وهي أنَّ الأمر باللاَّم يكثر في الغائب، والمخاطب المبنيِّ للمفعول، مثال الأول :« لِيقم زيدٌ » وكالآية الكريمة في قراءة الجمهور، ومثال الثاني : لِتُعْنَ بحاجتي، ولتضرب يا زيد، فإن كان مبنياً للفاعل، كان قليلاً؛ كقراءة عثمان، ومن معه، وفي الحديث :« لتأخُذُوا مصافَّكُم » بل الكثير في هذا النَّوْع الأمرُ بصيغة « افْعَلْ » نحو : قُمْ يا زيد، وقوموا، وكذلك يضعف الأمر باللاَّم للمتكلم وحدهُ، أو معه غيره، فالأول نحو :« لأقُمْ » تأمر نفسك بالقيام، ومنه قوله - ﷺ - « قُومُوا فلأصَلَّ لكُم » ومثال الثاني : لِنَقُمْ، أي : نحن، وكذلك النَّهْي؛ ومنه قول الشَّاعر :[ الكامل ]


الصفحة التالية
Icon