قوله شَهِدْنضا هذا من كلامِ اللَّهِ تعالى، وقيل : من كلام الملائكة، لأنهم لمَّا قالوا بَلَى، قال الله للملائكة : اشهدوا فقال : شهدنا، وعلى هذا القول يحسن الوقف على قوله :« قالوا بَلَى » لأن كلامَ الذرية قد انقطع ههنا.
وقوله :« أنْ تقُولُوا » أي : لئلا تقولوا ﴿ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غَافِلِينَ ﴾ تقريره : أنَّ الملائكة قالوا شهدنا عليهم بالإقرارِ؛ يقولوا ما أقررنا، فأسقط كلمة « لِئَلاَّ » كقوله ﴿ وألقى فِي الأرض رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ ﴾ [ النحل : ١٥ ]، أي : لئلاَّ تميد بكم. قاله الكوفيون، وعند البصريين تقديره : شَهِدْنَا كراهة أن تقولوا.
وقيل : من كلام الله تعالى والملائكة.
وقيل : من كلام الذُّريَّةِ، وعلى هذا فقوله :﴿ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ القيامة إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غَافِلِينَ ﴾ تقديره : وأشهدهم على نفسهم بكذا وكذا لئلاَّ يقولوا يوم القيامة :﴿ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غَافِلِينَ ﴾ أو كراهية أن يقولوا ذلك.
قال الواحديُّ : وعلى هذا لا يحسن الوقفُ على قوله : بَلَى ولا يتعلَّقُ أن تقوُلُوا ب « شَهِدْنَا » ولكن بقوله :« وأشهدَهُمْ » فلم يجز قطعه عنه.
قوله « أنْ تقُولُوا » مفعولٌ من أجله، والعامِلُ فيه إمَّا شَهِدْنَا أي : شهدنا كراهة أن تقولوا. هذا تأويل البصريين، وأما الكوفيون : فقاعدتهم تقدير « لا » النافية، أي : لئلاَّ تقولوا : كقوله ﴿ وألقى فِي الأرض رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ ﴾ [ النحل : ١٥ ].
كما تقدم.
وقول القطامي :[ الوافر ]

٢٦١٩ - رَأيْنَا مَا يَرَى البُصَرَاءُ فِيهَا فَآلَيْنَا عَلَيْهَا أنْ تُبَاعَا
أي : أن لا تُباع، وأما :« وأشهدَهُمْ » أي : وأشهدهم لئلا يقولوا أو كراهة أن يقولوا، وقد تقدم أن الواحدي قد قالك إنّ شَهِدْنا إذا كان من قول الذُّريَّةِ يتعيَّنُ أن يتعلَّق أن تقولوا ب « أشْهَدَهُمْ » كأنَّه رأى أن التركيب يصير : شَهِدْنَا أن تقولوا، سواءً قرىء بالغيبة أو الخطاب، والشَّاهدُون هم القائلون في المعنى، فكان ينبغي أن يكون التركيب : شهدنا أن نقول نحن، وهذا غيرُ لازم؛ لأنَّ المعنى : شهد بعضهم على بعض، فبعضُ الذرية قال شهدنا أان يقول البعضُ الآخر كذلك.
وذكر الجرجانيُّ عن بعضهم وجهاً آخر : وهو أن يكون قوله :﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ ﴾ إلى قوله « قَالُوا بَلَى » تمام قصة الميثاق، ثم ابتدأ عزَّ وجلَّ خبراً آخر بذكر ما يقوله المشركون يوم القيمة، فقال :« شَهِدْنَا » بمعنى : نشهد؛ كقوله الحطيئة :[ الكامل ]
٢٦٢٠ - شَهِدَ الحُطَيئَةُ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ ..........................
أي : يشهد، فيكون تأويله : يَشْهَدُ أن يقولوا.
وقرأ أبو عمرو :« يَقُولُوا » في الموضعين بالغيبةِ، جرياًعلى الأسماء المتقدمة، والباقون بالخطاب، وهذا واضحٌ على قولنا : إنّ شَهِدْنَا مُسْنَدٌ لضمير الله تعالى.
وقيل : على قراءة الغيبة يتعلَّق أن يقولوا ب « أشهدهم »، ويكون قالوا شِهِدْنَا معترضاً بين الفعل وعلَّته، والخطابُ على الالتفات، فتكون الضَّمائر لشيء واحد.


الصفحة التالية
Icon