قوله :﴿ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً ﴾ أي فجأة على غفلة، وهذا تأكيدٌ وتقرير لما تقدَّم من إخفائها.
روى أبو هريرة أنَّ رسول الله ﷺ قال :« لَتَقُومنَّ السَّاعةُ وقد نشر الرَّجُلانِ ثوبَهُما بيْنَهُما، فلا يتبايَعانِه، ولا طْويانِهِ، ولتقُومنَّ السَّاعةَ وقد انْصرفَ الرَّجُلُ بلبنِ لقْحتِهِ فلا يَطْعَمُهُ، ولتقُومَنَّ السَّاعَةُ هُو يُلِيطُ فِي حوضِهِ فلا يَسْقى فيه، ولتقُومنَّ السَّاعَةُ والرَّجُلُ قَدْ رفعَ أكْلَتَهُ إلى فيهِ فلا يَطْعَمُهَا »
قوله تعالى :﴿ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ﴾ هذه الجملة التَّشبيهيَّة في محلِّ نصب على الحالِ من مفعول :« يَسْألُونكَ » وفي عَنْهَا وجهان :
أحدهما : أنَّها متعلقة بيَسْألُونَكَ و :« كأنَّكَ حَفِيٌّ » معترض، وصلتها محذوفةٌ تقديره : خَفِيّ بها.
وقال أبُو البقاءِ : في الكلام تَقْدِيمٌ وتأخير، ولا حاجة إلى ذلك، لأنَّ هذه كلَّها متعلقاتٌ للفعل، فإنَّ قوله ﴿ كأنَّكَ حَفِيٌّ ﴾ حال كما تقدَّم.
والثاني : أنَّ « عَنَ » بمعنى الباء كما تكون الباءِ بمعنى عن كقوله :﴿ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً ﴾ [ الفرقان : ٢٥٩ ] ﴿ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السمآء بالغمام ﴾ [ الفرقان : ٢٥ ] ؛ لأن حَفِيَ لا يتعدَّى ب « عن » بل بالباء كقوله :﴿ كَانَ بِي حَفِيّاً ﴾ [ مريم : ٤٧ ] أو يُضَمَّن معنى شيء يتعدَّى ب « عن » أي كأنك كاشف بحفاوتك عنها.
والحَفِيُّ : المستقصي عن الشَّيء، المهتبلُ به، المعني بأمره؛ قال :[ الطويل ]

٢٦٤٤- سُؤالَ حَفِيٍّ عَنْ أخِيهِ كأنَّهُ بِذكْرتِهِ وسْنَانُ أوْ مُتواسِنُ
وقال آخر :[ الطويل ]
٢٦٤٥ - فَلَمَّا التَقَيْنَا بيَّن السَّيْفُ بَيْنَنَا لِسائِلَةٍ عنَّا حَفِيٍّ سُؤالُهَا
وقال الأعشى :[ الطويل ]
٢٦٤٦ - فَإنْ تَسْألِي عَنِّي فَيَا رُبَّ سائلٍ حَفِيٍّ عن الأعْشَى بِهِ حَيْثُ أصْعَدَا
والإحْفَاءُ : الاستقصاء؛ ومنه إحفاء الشَّوارب، والحافي؛ لأنَّهُ حَفِيَتْ قدمُه في استقصاء السَّيْر.
قال الزمخشريُّ : وهذا التركيب يفيدُ المُبالغةَ.
قال أبو عبيدة : وهو من قولهم : تحفى بالمسألةِ أي : استَقْصَى، والمعنى : فإنَّكَ أكثرت السُّؤال عنها وبالغت في طلب علمها، وقيل الحفاوةُ : البرُّ واللُّطْفُ.
قال ابن الأعْرابِي : يقال حفي بي حَفَاوةً وتحفَّى بي تَحَفِّياً. والتَّحفي : الكلام واللِّقاء الحسن، قال تعالى :﴿ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً ﴾ [ مريم : ٤٧ ] أي بارّاً لطيفاً يجيب دعائي. ومعنى الآية على هذا :[ يسألونك ] كأنَّك بارّق بهم لطيف العشرة معهم، قاله الحسنُ وقتادةُ والسُّديُّ ويؤيدُهُ ما روي في تفسيره : إنَّ قريشاً قالوا لمُحمَّدٍ - عليه الصَّلاة والسَّلام - : إنَّ بَيْنَنَا وبينك قرابة فاذكر لنا متى السَّاعة؟ فقال تعالى :﴿ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ﴾ [ الأعراف : ١٨٧ ] أي : كأنك صديق لهم بارّ، بمعنى أنك لا تكون حفياً بهم ما دَامُوا على كفرهم.
وقرأ عبدُ الله حَفِيٌّ بها وهي تَدُلُّ لمن ادَّعَى أنَّ « عَنْ » بمعنى الباء، وحَفِيٌّ فعيل بمعنى : مفعول أي : مَحْفُوٌّ.
وقيل : بمعنى فعل، أي كأنَّ مبالغٌ في السؤال عنها ومتطلع إلى علم مجيئها.
قوله :﴿ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله ﴾.
اعلم أن قوله ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الساعة أَيَّانَ مُرْسَاهَا ﴾ سؤال عن وقت قيام السَّاعةِ.


الصفحة التالية
Icon