وقوله ثانياً :﴿ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ﴾ سؤالُ عن كيفيَّةِ ثقل السَّاعة وشدتها فلم يلزم التكرار، وأجاب عن الأوَّلِ بقوله :﴿ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي ﴾ وأجاب عن الثَّانِي بقوله :﴿ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله ﴾ والفرق بين الصورتين : أن السؤال الأول كان واقعاً عن وقت السَّاعة. والسؤال الثَّاني كان واقعاً عن مقدار شدتها ومهابتها.
وأعظم أسماء اللَّهِ مهابة وعظمة هو قولنا : الله.
فأجاب عند السُّؤالِ عند مقدار شدَّةِ القيامة بالاسم الدَّالِّ على غاية المهابة، وهو قولنا : اللَّهُ، ثم ختم الآية بقوله :﴿ ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ أي : لا يعلمون أن القيامة حقٌّ؛ لأنَّ أكثر الخلقِ ينكرون المعاد.
وقيل : لا يَعْلَمُونَ بأنِّ أخبرتك بأَّ وقت قيام السَّاعةِ لا يعلمها إلاَّ اللَّهُ.
وقيل : لا يَعْلَمُون السَّبَبَ الذي لأجله أخفيت معرفة وقتها المعين عن الخَلْقِ.
قوله تعالى :﴿ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَآءَ الله ﴾ الآية.
وجه تعلُّق هذه الآية بما قبلها : أنَّهم لمَّا سألوه عن علم السَّاعةِ فقال :﴿ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي ﴾ أي أنا لا أدري عِلْمَ الغيب، ولا أملك لنفْسِي نفعاً، ولا ضرّاً إنْ أنا إلاَّ نذير، ونظيره قوله في سورة يونس :﴿ وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَآءَ الله ﴾ [ يونس : ٤٨، ٤٩ ].
قال ابنُ عبَّاسِ : إنَّ أهل مكة قالوا : يا مُحمَّدُ ألا يخبرك ربك بالسعر الرخيص قبل أن يغلو فنشتري به، ونربح فيه عند الغلاء، وبالأرض التي تريد أن تجدب، فنرحل عنها إلى ما قد أخْصَبَتْ؛ فأنزل اللَّهُ هذه الآية.
وقيل : لمَّا رجع عليه الصَّلاة والسَّلام من غزوة بني المصطلق جاءتْ ريح في الطَّريق ففرت الدوابُّ فأخبر ﷺ بموت رفاعة بالمدينة، وكان فيه غيظ للمنافقين، وقال انظروا أين ناقتي؟ فقال عبدُ الله بن أبي : ألا تعجبون من هذا الرَّجل يخبر عن موت رجل بالمدينة، ولا يعرف أين ناقته! فقال - ﷺ - إنَّ ناساً من المُنافقينَ قالوا كيت وكيت، وناقتي في هذا الشعب قد تعلَّق زمامها بشجرةٍ، فوجدوها على ما قال؛ فأنزل الله تعالى ﴿ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً ﴾.
قوله :« لِنَفْسِي » فيه وجهان :
أحدهما : أنَّها متعلقة ب « أمْلِكُ ».
والثاني : أنَّها متعلقةٌ بمحذوف على أنَّها حالٌ من نَفْعاً؛ لأنه في الأصْلِ صفةٌ له لو تأخر، ويجوزُ أن يكون لِنَفْسِي معمولاً ب « نَفْعاً » واللاَّم زائدةٌ في المفعول به تقويةٌ للعامل؛ لأنَّهُ فرع إذ التَّقديرُ : لا أملك أن أنفع نفسي ولا أن أضُرَّهَا، وهو وجهٌ حسنٌ.
قوله ﴿ إِلاَّ مَا شَآءَ الله ﴾ في هذا الاستثناء وجهان :
أظهرهما : أنَّهُ متَّصلٌ، أي إلاَّ ما شاء الله تمكيني منه فإني أملكه.


الصفحة التالية
Icon