وقال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ حاكياً عن اللَّهِ تعالى :« أنَا أغْنَى الأغنِيَاءِ عن الشِّركِ من عملَ عملاً أشْركَ فيهِ غَيْرِي تركْتُه وشِرْكُه »
التأويل الرابع : سلَّمنا أنَّ القصَّة في آدم وحواء، إلاَّ أنَّا نقولُ : إنَّما سموه بعيد الحارث لأنَّهُم اعتقدوا أنه إنما سلم من الآفَةِ والمرض بسبب دعاء ذلك الشخص المُسَمَّى بالحارث.
وقد يُسمى المُنْعَم عليه عبداً للمنعمِ، كما يقالُ في المثل : أنا عبدُ من تعلَّمتُ منه حرفاً فآدم وحوَّاء إنما سمياهُ بعبد الحارث لاعتقادهم أنَّ سلامته من الآفات ببركة دعائه، ولا يخرجه ذلك عن كونه عَبْداً لِلَّهِ من جهة أنَّهُ مملوكه ومخلوقه، وقد ذكرنا أنَّ حسنات الأبرار سيئا المقربين فلمَّا حصل الاشتراك في لفظ العبدِ لا جرم عُوتب آدم عليه الصَّلاة والسَّلام في هذا العمل بسبب الاشتراك في مجرد لفظ العبد.
قوله :« جَعَلا لَهُ » قيل : ثمَّ مضاف، أي : جعل له أولادهما شركاء، كما تقدَّم في التَّأويلِ السَّابق، وإلاَّ فحاشا آدم وحواء من ذلك، وإن جُعِل الضَّمير ليس لآدم وحواء، فلا حاجة إلى تقديره كما مرَّ تقريره.
وقرأ نافع، وأبو بكر عن عاصم شِرْكاً بكسر الشِّينِ وسكون الرَّاءِ وتنوين الكاف.
والباقون بضمِّ الشين، وفتح الرَّاء، ومدِّ الكاف مهموزةً، من غير تنوين، جمع « شَريك ».
فالشِّركُ مصدرٌ، ولا بد من حذف مضاف، أي : ذوي شركٍ، يعني : إشراك، فهو في الحقيقةِ اسمُ مصدر، ويكون المعنى : أحْدَثَا لَهُ إشراكاً في الولد، وقيلك المرادْ بالشِّركِ : النصيبُ وهو ما جعلاه من رزقهما له يأكله معهما، وكانا يأكلان ويشربان وحدهما، فالضَّميرُ في لَهُ يعود على الولدِ الصَّالحِ.
وقيل : الضمير في لَهُ لإبليس ولم يَجرِ لهُ ذكر، وهذان الوجهان لا معنى لهما.
وقال مكيٌّ وأبُو البقاءِ وغيرهما : إنَّ التقدير يجوز أن يكون : جعلا لغيره شِرْكاً.
قال شهابُ الدِّين : هذا الذي قدَّره هؤلاء قد قال فيه أبُو الحسن : كان ينبغي لمن قرأ شِرْكاً أن يقول المعنى : جعلا لغيره شِرْكاً؛ لأنَّهُمَا لا يُنْكرانِ أنَّ الأصلَ للَّه فالشرك إنَّما يجعله لغيره.
قوله :﴿ فَتَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ قيل : هذه جملةٌ استئنافيةٌ، والضمير في : يُشْرِكُونَ يعودُ على الكُفَّارِ، وأراد به إشراك أهلِ مكَّة والكلامُ قد تمَّ قبله، وقيل : يعودُ على آدم وحواء وإبليس، والمرادُ بالإشراكِ تَسْميتُهُمَا الولد الثالث ب « عبد الحارث » وكان أشَارَ بذلك إبليس، فالإشراكُ في التَّسْمية فقط، وقيل : راجع إلى جميع المشركين من ذريَّةِ آدم، وهو قولُ الحسنِ، وعكرمة، أي : جعل أولادهما له شركاء فحذف الأولاد وأقامهما مقامهم كما أضاف فعل الآباء إلى الأبْنَاءِ في تعييرهم بفعل الآباء فقال :


الصفحة التالية
Icon