﴿ ثُمَّ اتخذتم العجل ﴾ [ البقرة : ٥١ ] ﴿ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً ﴾ [ البقرة : ٧٢ ] خاطب به اليهُود الذين كانوا في عهد النبي ﷺ وكان ذلك الفعل من آبائهم.
وقيل : لم يكن آدم عَلِمَ، ويُؤيدُ الوجه الأول قراءة السّلمي :« عَمَّا تُشرِكُون » بتاء الخطاب وكذلك « أتُشْركُونَ » بالخطابِ أيضاً، وهو التفات.
قوله :﴿ أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً ﴾.
هذه الآيةُ من أقوى الدَّلائل على أنَّهُ ليس المراد بقوله تعالى :﴿ فَتَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ ما ذكره في قصَّة إبليس إذ لو كان المرادُ ذلك لكانت هذه الآية أجنبية عنها بالكليَّة، وكان ذلك النَّظْمُ في غاية الفسادِ، بل المرادُ ما ذكرناه في الأجوبة من أنَّ المقصود من الآية السابقة الرَّدُّ على عبدة الأوثان؛ لأنه أراد ههنا إقامة الحجَّة على أنَّ الأوثان لا تصلحُ للإلهيَّةِ فقوله :﴿ أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ ﴾ أي : أيعبدون ما لا يقدرُ على أن يخلق شيئاً؟ وهم يُخلقون، يعني الأصنام.
قوله :« وهُمْ يُخْلقُونَ » يجوزُ أن يعود الضميرُ على ما من حيث المعنى وعبَّر عن ما وهو مفرد بضمير الجمع؛ لأنَّ لفظة ما تقع على الواحدِ والاثنينِ والجمع فهي من صيغ الواحد بحسب لفظها، ومحتملة للجميع فاللَّهُ تعالى اعتبر الجهتين؛ فوحَّد قوله يَخْلُقُ لظاهر اللفظ وجمع قوله :« وهُمْ يُخْلَقُونَ » للمعنى، والمرادُ بها الأصنام وعبر عنهم ب « هُم » وجمعهم بالواو والنون، لاعتقاد الكفار فيها ما يعتقدونه في العقلاء أو لأنهم مختلطون بمن عُبد من العقلاء كالمسيح وعزير، أو يعودُ على الكُفَّارِ، أي : والكفار مخلوقون فلو تفكَّروا في ذلك لآمنوا

فصل


دلَّت هذه الآية على أنَّ العبد لا يخلق أفعاله؛ لأنَّهُ تعالى طعن في إلاهية الأصنام لكونها لا تخلق شيئاً وهذا الطَّعن لا يتمُّ إلاَّ إذا قلنا بأنَّها لو كانت خالقة لشيء لم يتوجه الطعن في إلاهيتها، وهذا يقتضي أنَّ من كان خالقاً كان إلهاً، فلو كان العبدُ خالقاً لأفعال نفسه كان إلهاً، ولمَّا كان ذلك باطلاً علمنا فساد هذا القول.
قوله :﴿ وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً ﴾ أي : أن الأصنام لا تنصر من أطاعها، ولا تضرُّ من عصاها، وهو المراد بقوله :﴿ وَلاَ أَنْفُسَهُمْ يَنصُرُونَ ﴾.
قوله :﴿ وَإِن تَدْعُوهُمْ ﴾ الظاهرُ أنَّ الخطاب للكفَّار، وضمير النَّصْبِ للأصنام، أي : وإن تدعوا آلهتكم إلى طلب هدى ورشاد - كما تطلبونه من الله - لا يتعابعوكم على مُرادكُم، ويجُوزُ أن يكون الضميرُ للرسُولِ والمؤمنين، والمنصوب للكفَّارِ، أي وإن تدعوا أنتم هؤلاء الكفار إلى الإيمان، ولا يجوزُ أن يكون تَدعُوا مسنداً إلى ضميرِ الرسُولِ فقط، والمنصوبُ للكُفَّارِ أيضاً؛ لأنَّه كان ينبغي أن تحذف الواو، لأجل الجازم، ولا يجوزُ أن يقال : قدَّر حذف الحركة وثبت حرف العلَّة؛ كقوله :[ البسيط ]


الصفحة التالية
Icon