وقال الزمخشري : والنَّزغُ والنِّسْغُ : الغَرْزُ والنَّخْسُ، وجعل النزغ نازغاً كما قيل « جَدَّ جَدُّه » يعني : قصد بذلك المبالغة.
وقيل : النَّزغ : الإزعاج، وأكثرُ ما يكون عند الغضب وأصله الانزعاج بالحركة إلى الشَّرِّ، وتقريره : أنَّ الآمر بالمعروف إذا أمر بما يهيج السفيه ويظهر السَّفاهة فعند ذلك أمره اللَّه بالسكوت عن مقابلته فقال :﴿ وَأَعْرِضْ عَنِ الجاهلين ﴾ ثُمَّ أمره الله تعالى بما يجري مجرى العلاجِ بهذا المرض إن حدث فقال : فاستَعِذْ باللَّهِ « وهذا الخطابُ وإن كان للرَّسُول إلاَّ أنه عام لَجميع المكلفين. وقد تقدَّم الكلامُ في الاستعاذة؛ وقوله :﴿ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ يدلُّ على أنَّ الاستعاذة باللِّسانِ لا تفيدُ إلاَّ إذا حضر في القلب العلم بمعنى الاستعاذة، فكأنَّه تعالى يقول : اذكر لفظ الاستعاذة بلسانك، فإني سميع، واستحضر معنى الاستعاذة بقلبك، وعقلك فإني عليمٌ بما في ضميرك.
قوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين اتقوا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ ﴾ الآية.
بيَّن تعالى في هذه الآية أنَّ حال المُتَّقينَ يزيدُعلى حال الرسُول في هذا الباب؛ لأنَّ الرسول لا يحصل له من الشَّيطان إلاَّ النزغ الذي هو كالابتداءِ في الوسوسةِ، وجوز على المتقين ما يزيدُ عليه وهو أن يمسهم طائف من الشيطانِ.
قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، والكسائيُّ : طَيْفٌ، والباقون طائفٌ بزنة فاعل.
فأما طَيْفٌ ففيه ثلاثةُ أوجه :
أحدها : أنَّهُ مصدر من : طَافَ يَطِيفُ ك »
بَاعَ يَبِيعُ وأنشد أبو عبيدة :[ الكامل ]

٢٦٦٠ - أنَّى ألمَّ بِكَ الخيالُ يَطِيفُ ومطَافُهُ لَكَ ذُكْرَةٌ وشُغُوفُ
والثاني : أنَّهُ مُخففٌ من فَيْعِل والأصل : طَيِّف بتشديد الياءِ فحذف عين الكلمة، كقولهم في : مَيِّت مَيْت، وفي : لَيِّن لَيْن، وفي : هَيِّن هَيْن.
ثم « طَيِّف » الذي هو الأصل يَحْتَمِل أن يكون من : طافَ يطيف، أو من : طَافَ يَطُوفُ والأصل : طَيْوِف فقلب وأدغم.
وهذا قول ابن الأنباري ويشهد لقول ابن الأنباري قراءةُ سعيد بن جبير طيف بتشديد الياء.
والثالث : أنَّ أصله طَوْف من طاف يَطُوفُ، فقلبت الواو ياءً.
قال أبُو البقاءِ قلبت الواو ياءً وإن كانت ساكنة كما قلبت في أيْد وهو بعيدٌ.
قال شهابُ الدينِ : وقد قالُوا أيضاً في : حَوْل حَيْل، ولكن هذا من الشُّذُوذِ بحيث لا يقاس عليه.
وقوله : وإن كانت ساكنة ليس هذا مقتضياً لمنع قلبها ياء، بل كان ينبغي أن يقال : وإن كان ما قبلها غير مكسورٍ. وأمَّا طائفٌ فاسمُ فاعل يحتمل أن يكون من : طاف يطُوف، فيكون ك : قائم وقائلٍ. وأن يكون من : طاف يطيفُ، فيكون ك : بَائعٍ ومائل وزعم بعضهم أنَّ : طَيْفاً وطَائِفاً بمعنى واحد ويُعْزَى للفرَّاءِ، فيحتمل أن يَرُدَّ طائفاً ل : طَيْف فيجعلهما مصدرين، وقد جاء فاعل مصدراً، كقولهم : أقائماً وقد قعد النَّاسُ، وأن يَرُدَّ طَيْفاً ل : طائف أي : فيجعله وصْفاً على فَعْل.


الصفحة التالية
Icon