ومعنى « فَارَ » أي : غلا قوة وشدة تشبيهاً بغليان القدر عند قوة النّضار، ولا شبهة في أنَّ نفس التَّنور لا يفوزُ، فالمرادُ : فار الماءُ في التَّنور.
قال اللَّيْثُ - رحمه الله - :« التَّنُّور عمَّت بكل لسان وصاحبه تنَّار قال الأزهريُّ : وهذا يدلُّ على أن الاسم يكون أعْجَميّاً فتعربه العرب، فيصير عربيّاً، والدليلُ على ذلك أنَّ الأل » تَنَرَ «، ولا يعرفُ في كلام العرب » تنر « وهو نظير ما دخل في كلام العرب من كلام العجم الدِّيباج والدِّينار، والسُّندس، والإستبرق، فإنَّ العرب تكلَّمُوا بها؛ فصارت عربيةً ». قيل : إنَّ امرأته كانت تخبز في ذل التنور، فأخبرته بخروج الماءِ من ذلك التنور فاشتغل في الحالِ بوضع هذه الأشياء في السفينة.
قوله :﴿ قُلْنَا احمل فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين ﴾ قرأ العامَّة بإضافة « كُل » ل « زَوْجَيْنِ ».
وقرأ حفص بتنوين « كُل »، فأمَّا العامة فقيل : إنَّ مفعول « احْمِلْ » « اثْنَيْن »، و « مِنْ » كُلِّ زَوْجَيْنِ « في محلِّ نصبٍ على الحالِ من المفعول؛ لأنه كان صفة للنَّكرة، فلمَّا قُدِّم عليها نُصب حالاً وقيل : بل » مِنْ « زائدة، و » كُل « مفعول به، و » اثْنَيْن « نعت ل » زَوْجَيْن « على التَّأكيدِ، وهذا إنَّما يتمُّ على قول من يرى زيادة » مِنْ « مطلقاً، أو في كلامٍ موجب.
وقيل : قوله :» زَوْجَيْن « بمعنى العُمومِ أي : من كُل ما له ازدواجٌ، هذا معنى قوله :﴿ مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ﴾ وهو قولُ الفارسيِّ وغيره.
قال ابنُ عطيَّة : ولو كان المعنى : احمل فيها من كل زوجين حاصلين اثنين، لوجب أن يحمل من كُلِّ نوع أربعة، والزوج في مشهور كلامهم للوحد ممَّا له ازدواجٌ.
قال - سبحانه وتعالى - :﴿ وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ﴾ [ الذاريات : ٤٩ ]، ويقال للمرأة زوجٌ، قال تعالى :﴿ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ﴾ [ النساء : ١ ] يعني المرأة، وهو زوجها، وقال :﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزوجين الذكر والأنثى ﴾ [ النجم : ٤٥ ] فالواحدُ يقال له : زوجٌ، قال تعالى :﴿ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مَّنَ الضأن اثنين وَمِنَ المعز اثنين ﴾ [ الأنعام : ١٤٣ ]، ﴿ وَمِنَ الإبل اثنين وَمِنَ البقر اثنين ﴾ [ الأنعام : ١٤٤ ].
فالزَّوجان : عبارة عن كل اثنين لا يَسْتغني أحدهما عن الآخر، يقال لكُلِّ واحدٍ منهما زوج، يقال زوج خفٍّ، وزوج نَعْلِ، والمراد بالزَّوجين ههنا : الذَّكر والأنثى.
وأمَّا قراءة حفص فمعناها : من كلِّ حيوان أو من كلِّ صنف، و » زَوْجَيْن « مفعولٌ به، و » اثْنَيْنِ « نعتٌ على التأكيد، كقوله ﴿ لاَ تَتَّخِذُواْ إلهين اثنين ﴾ [ النحل : ٥١ ]، و » مِنْ كُلّ « على هذه القراءة يجوز أن يتعلق ب » احْمِلْ « وهو الظَّاهرُ، وأن يتعلق بمحذوفٍ على أنَّها حالٌ من » زَوْجَيْنِ « وهذا الخلاف والتخريج جاريان أيضاً في سورة » قَدْ أفْلَحَ «.