فصل


اختلفوا في أنه هل دخل في قوله :« زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ » غير الحيوانِ أم لا؟ فنقول فالحيوانُ مرادٌ ولا بد، وأما النَّباتُ فاللفظ لا يدل عليه، إلا أنه بقرينة الحال لا يبعد دخلوه لأنَّ الناس محتاجون إلى النبات بجميع أقسامه.
قال ابنُ الخطيب :« وروي عن ابن مسعودٍ أنه قال : لم يستطع نوحٌ أن يحمل الأسد حتَّى ألقيت عليه الحمى، وذلك أنَّ نُوحاً - ﷺ - قال : يا ربِّ فمن أين أطعم الأسد، إذا حملته؟ قال الله - تعالى - :» فسوف أشغله عن الطعام فسلَّط الله عليه الحمى « وأمثال هذه الكلمات الأولى تركها، فإنَّ حاجة الفيل إلى الطَّعام أكثر، وليست به حُمَّى ».
وروى زيد بن أسلم عن أبيه مرسلاً أنَّ رسول الله ﷺ قال : لمَّا حمل نوح في السفينة من كُلِّ زوجين اثنين، قال أصحابه : وكيف يطمئن، أو تطمئن المواشي، ومعنا الأسد، فسلَّط الله عليه الحمى، فكانت أوَّلُ حمى نزلت الأرض، ثم شكوا الفأرة فقالوا : الفويسقة تفسد علينا طعامنا ومتاعنا، فأوحى الله إلى الأسدِ، فعطس الأسد فخرجت الهرة؛ فتخبأت الفأرة منها.
قوله :« وأهْلَك » نسقٌ على « اثْنَيْنِ » في قراءة من أضاف « كُل » ل « زَوْجَيْنِ »، وعلى « زَوْجَيْنِ » في قراءة من نوَّن « كُل » وقوله :« إلاَّ من سبقَ » استثناءٌ متصل في موجب، فهو واجب النَّصْبِ على المشهُور.
وقوله :« وَمَنْ آمَنَ » مفعول به نسقاً على مفعول « احْمِلْ ».

فصل


روي أنَّ نوحاً - عليه الصلاة السلام - قال يا رب : كيف أحملُ من كلِّ زوجين اثنين؟ فحشر الله - تعالى - إليه السباع والطير، فجعل يضربُ بيده في كل جنس فيقع الذَّكرُ في يده اليمنى والأنثى في يده اليسرى، فيجعلهما في السفينة.
والمراد بأهله : ولده وعياله ﴿ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القول ﴾ بالهلاك يعني : امرأته واعلة وابنه كنعان.
« ومَنْ آمَنَ » يعنى : واحمل من آمن بك، قال تعالى :﴿ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾. قال قتادةُ بنين سام وحام ويافث ونساؤهم.
وقال الأعمشُ : كانوا سبعة : نوحٌ وثلاثة بنين له وثلاثُ كنائن وقال ابن إسحاق : كانوا عشرة سوى نسائهم، نوح وبنوه : سام وحام ويافث، وستة أناس ممن كان به، وأزواجهم جميعاً.
وقال مقاتل : كانوا اثنين وسبعين رجلاً وامرأةً، وبنيه الثلاث ونساءهُم.
فجميعهم ثمانية وسبعون، نصفهم رجال، ونصف نساء.
وعن ابن عباسٍ : كان في سفينة نوح عليه السلام ثمانون رجلاً، أحدهم جرهم، يقال : إنَّ في ناحية « المَوْصِل » قريةً، يقال لها : قريةُ الثَّمانين، سمِّيت بذلك؛ لأنَّهم لما خرجوا من السَّفينة بنوها، فسُمِّيت بهم.


الصفحة التالية
Icon