٢٩٧٣- إمَّا تقُودُ بِهَا شَاةً فتأكُلُهَا أو أن تَبِيعَه في بَعْضِ الأرَاكِيبِ
يريد : تَبِيعهَا « فاجتزأ بالفتحةِ عن الألفِ، كما اجتزأ الآخر عنها في قوله :- وأنشده ابن الأعرابي على ذلك - :[ الوافر ]
٢٩٧٤- فَلَسْتُ براجعٍ ما فَاتَ مِنِّي بِلَهْفَ، ولا بِلَيْتَ، ولا لَوَ انِّي
يريد :»
يَا لَهْفَا « فحذف، وهذا يخصُّه بعضهم بالضرورة، ويمنع في السَّعة :» يا غُلامَ « في : يا غُلامَا.
وسيأتي في نحو ﴿ ياأبت ﴾ [ يوسف : ٤ ] بالفتح : هل ثمَّ الفٌ محذوفة أم لا؟ وتقدَّم خلاف في نحو : يا ابن أمَّ، ويا ابن عمَّ : هل ثمَّ ألفٌ محذوفة مجتزأٌ عنها بالفتحةِ أم لا؟ فهذا أيضاً كذلك، ولكن الظَّاهر عدم اقتياسه، وقد خطَّأ النَّحَّاسُ أبا حاتم في حذف هذه الألف، وفيه نظر.
قوله :﴿ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ ﴾ جملةٌ في موضع نصب على الحالِ، وصاحبها هو »
ابْنَهُ « والحالُ تأتي من المنادى لأنَّه مفعولٌ به.
والمَعْزِل - بكسر الزاي - اسم مكن العزلة، وكذلك اسم الزمان أيضاً، وبالفتح هو المصدر. قال أبو البقاء :»
ولمْ أعلم أحداً قرأ بالفتح «.
قال شهابُ الدِّ ] ن : لأنَّ المصدر ليس حاوياً له ولا ظرفه؛ فكيف يقرأ به إلاَّ مجازٍ بعيد؟.
وأصله : من العَزْل، وهو التَّنحية، والإبعاد تقول : كنت بمعزلٍ عن كذا، أي : بموضع قد عُزِل منه، قيل : كان بمعزلٍ عن السفينة، لأنه كان يظنُّ أنَّ الجبل يمنعه من الغرق.
وقيل : كان بمعزل عن أبيه وإخوته وقومه، وقيل : كان في معزل من الكفار كأنَّه انفرد عنهم فظنَّ نوحٌ أنَّ ذلك محبة لمفارقتهم.

فصل


اختلفوا في أنه هل كان ابناً له؟ فقيل : كان ابنه حقيقة لنصِّ القرآن، وصرفُ هذا اللفظ إلى أنَّهُ رباه، فأطلق عليه اسم الابن لهذا السَّبب، صرف للكلام عن حقيقته إلى مجازه من غير ضرورة، والمخالفُ لهذا الظَّاهر إنَّما خالفهُ استبعاداً لأن يكون ولد الرسول كافراً، وهذا ليس ببعيد؛ فإنَّه قد ثبت بنصِّ القرآن أنَّ والد الرسول - ﷺ - كان كافراً، فكذلك ههنا.
فإن قيل : لمَّا دَعَا وقال :﴿ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً ﴾ [ نوح : ٢٦ ] فكيف نادى ابنه مع كفره؟.
فالجواب من وجوه :
الأول : أنَّهُ كان ينافقُ أباه؛ فظنَّ نوحٌ أنَّهُ مؤمنٌ؛ فلذلك ناداه، ولولا ذلك لما أحب نجاته.
الثاني : أنه - ﷺ - كان يعلمُ أنه كافرٌ لكن ظنَّ أنه لمَّا شاهد الغرق، والأهوال العظيمة فإنَّهُ يقبل الإيمان، فكان قوله :﴿ يابني اركب مَّعَنَا ﴾ كالدَّلائلِ على أنَّهُ طالبٌ منه الإيمان، وتأكد هذا بقوله :﴿ وَلاَ تَكُن مَّعَ الكافرين ﴾ أي : تابعهم في الكفر، واركب مع المؤمنين.
الثالث : أنَّ شفقة الأبوة لعلَّها حملته على ذلك النداء، والذي تقدَّم من قوله :﴿ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القول ﴾ [ هود : ٤٠ ] كان كالمجمل، فلعلَّه جوَّز ألاَّ يكون هو داخلاً فيه.


الصفحة التالية
Icon