وقال الزمخشريُّ : فإن قلت : هلاَّ قيل : إنَّه عملٌ فاسدٌ. قلت : لما نفاه عن أهله نفى عنه صفتهم بلفظ النفي التي يستبقى معها لفظ المنفي، وآذن بذلك أنَّه إنَّما أنْجَى من أنْجَى لصلاحهم لا لأنَّهم أهلك.
قوله :﴿ فَلاَ تَسْأَلْنِي ﴾ قرأ نافع وابن عامرٍ « فلا تَسْألنِّ » بتشديدِ النون مكسورة من غير ياء. وابن كثير بتشديدها مع الفتح، وأبو عمرو والكوفيون بنونٍ مكسورةٍ خفيفة، وياءٍ وصلاً لأبي عمرو، ودون ياء في الحالين للكوفيين. وفي الكهف ﴿ فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ ﴾ [ الكهف : ٧٠ ] قرأه أبو عمرو والكوفيون كقراءتهم هنا، وافقهم ابنُ كثير في الكهف، وأما نافعٌ وابنُ عامر فكقراءتهما هنا ولابن ذكوان خلافٌ في ثبوتِ الياءِ وحذفها، وإنَّما قرأ ابن كثير التي في هود بالفتح دون التي في الكهفِ؛ لأنَّ الياء في هود ساقطة في الرسم؛ فكانت قراءته بفتح النون محتملةً بخلاف الكهف فإنَّ الياء ثابتةٌ في الرَّسْمِ، فلا يوافق فيها فتحها. وقد تقدَّم خلافُ ابن ذكوان في ثبوت الياء في الكهفِ.
فمن خفَّف النون، فهي نونُ الوقاية وحدها، ومن شدَّدها فهي نون التوكيد.
وابنُ كثير لم يجعل في هود الفعل متصلاً بياء المُتكلم، والباقون جعلوه. فلزمهم الكسرُ. وقد تقدَّم أنَّ « سَأَلَ » يتعدَّى لاثنين أوَّلهما ياء المتكلم، والثاني ﴿ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾.
قوله :« أن تكون » على حذف حرف الجر، أي : مِنْ أن تكون أو لأجْلِ أن، وقوله :﴿ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ يجوزُ في « بِهِ » أن يتعلَّق ب « عِلْم ».
قال الفارسيُّ : ويكون مثل قوله :[ الرجز ]
٢٩٧٨- كَانَ جَزائِي بالعَصَا أنْ أجْلَدَا... ويجوز أن يتعلَّق بالاستقرار الذي تعلَّق به « لَكَ »، والباء بمعنى « في »، أي ما ليس لك به علمٌ. وفيه نظرٌ.
ثم قال :﴿ إني أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الجاهلين ﴾ يعني أن تدعو بهلاك الكفار، ثم تسأل نجاة كافر ﴿ قَالَ رَبِّ إني أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ﴾ وهذا إخبار بما في المستقبل وهو العزم على الترك.
قوله :﴿ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي ﴾ لم تمنع « لا » من عمل الجازم كما لم تمنعْ من عمل الجارِّ في نحو :« جِئْتُ بلا زادٍ » قال أبو البقاء :« لأنَّها كالجزء من الفعل وهي غيرُ عاملةٍ في النَّفْي، وهي تنفي ما في المستقبل، وليس كذلك » مَا « فإنَّها تنفي ما في الحالِ؛ فلذلك لمْ يَجُزْ أن تدخُل » إنْ « عليها ».