قوله تعالى :﴿ وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً ﴾ قال ابنُ عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - : انطلقُوا من عند إبراهيم إلى « لُوطٍ » [ و ] بين القريتين أربعة فراسخَ، ودخلوا عليه على صورة غلمان مرد حسان الوجوه.
قوله :﴿ سياء بِهِمْ ﴾ فعلٌ مبنيٌّ للمفعول، والقائمُ مقامَ الفاعل ضمير « لُوطٍ » من قولك :« سَاءَنِي كَذا » أي : حصل لي سُوءٌ، و « بِهِمْ » متعلقٌ به، أي : بسببهم، يقال : سؤته فسيء كما يقال : سَرَرْتُه فَسُرَّ، ومعناهُ : سَاءَهُ مَجِيئُهم وسَاءَ يَسُوءُ فعل لازم.
قال الزجاجُ :« أصله » سُوىءَ بِهِمْ « إلاَّ أنَّ الواو أسكنت ونقلت كسرتها إلى السين ».
و « ذَرْعاً » نصبٌ على التَّمييز، وهو في الأصل مصدر ذرع البعير يذرع بيديه في سيره إذا سار على قدر خطوه، اشتقاقاً من الذِّراع، تُوسِّع فيه فوضع موضع الطَّاقة والجهد. فقيل : ضاقَ ذَرْعُه، أي طاقته؛ قال :[ البسيط ]

٢٩٩٩-.............................. فاقْدِرْ بِذرْعِكَ وانْظُرْ أيْنَ تَنْسَلِكُ
وقد يقعُ الذِّراعُ موقعهُ؛ قال :[ الوافر ]
٣٠٠٠- إذَا التَّيَّازُ ذُو العضلاتِ قُلْنَا إلَيْكَ إلَيْكَ ضَاقَ بِهَا ذِرَاعا
قيل : هو كنايةٌ عن ضيق الصَّدْرِ.
وقوله :« عَصِيبٌ » العَصِبُ والعَصبْصَبُ والعَصُوب : اليومُ الشَّديدُ الكثيرُ الشَّرَّ، الملتفُّ بعضه ببعض قال :[ الوافر ]
٣٠٠١- وكُنْتَ لِزازَ خَصْمِكَ لَمْ أعَرِّدْ وَقَدْ سَلكُوكَ في يومٍ عَصِيبِ
وعن أبي عبيدة :« سُمِّي عصيباً؛ لأنَّه يعصبُ النَّاسَ بالشَّرِّ ». كأنَّه عصب به الشَّر والبلاء أي : حشدوا والعِصَابةُ : الجماعةُ من النَّاس سُمُّوا بذلك لإحاطتهم إحاطة العصابة.
والمعنى : أنَّ لوطاً لمَّا نظر إلى حسن وجوههم، وطيب روائحهم، أشفق عليهم من قومه أن يقصدوهم بالفاحشةِ، وعلم أنَّه سيحتاجُ إلى المدافعة عنهم، فلذلك ضاق بهم ذَرْعاً أي : قَلْباً.
يقال : ضَاقَ ذَرْعُ فلان بكذا، إذا وقع في مكروهٍ، ولا يطيقُ الخُروج منه.
قوله :﴿ وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ ﴾ « يُهْرَعُونَ » في محلِّ نصب على الحال. والعامَّةُ على « يُهْرَعُونَ » مبنياً للمفعول. وقرأ فرقة بفتح الياء مبنيّاً للفاعل من لغة « هَرَع » والإهراعُ : الإسْراعُ.
ويقالُ : هو المَشْيُ بين الهرولة والجمز.
وقال الهرويُّ : هَرَعَ وأهرع : استحث.
وقيل :« الإهراعُ : هو الإسْرَاع مع الرّعدة ».
قيل : هذا من باب ما جاء بصيغةِ الفاعلِ على لفظِ المفعولِ، ولا يعرف له فاعل نحو : أولع فلان، وأرْعِدَ زَيْدٌ، وزُهي عمرٌو من الزهو.
وقيل : لا يجوزُ ورود الفاعل على لفظ المفعول، وهذه الأفعالُ عرف فاعلوها. فتأويلُ أولع فلانٌ أي : أولعهُ حبُّه، وأرْعدَ زيدٌ أي : أرعده غضبه، وزُهي عَمْرٌو أي : جعله ما لهُ زاهياً، وأهرع خوفه، أو حرصه.

فصل


روي أنَّه لمَّا دخلت الملائكةُ دار لوط - عليه السلام - مضت امرأته فقالت لقومه : دخل دارنا قوم ما رأيت أحسن منهم وجوهاً ولا أطيب منهم رائحة ف « جَاءَهُ قَوْمُهُ » مسرعين ﴿ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السيئات ﴾ أي : من قبل مجيئهم إلى لوطٍ كانوا يأتون الرِّجال في أدبارهم، فقال لهم لوطٌ - عليه السلام - : حين قصدوا أضيافه فظنوا أنهم غلمان ﴿ ياقوم هؤلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ﴾ يعني : بالتزويج.


الصفحة التالية
Icon