والثاني : أنَّهُ مستثنى منْ « أحد » وإن كان الأحسنُ الرّفع إلاَّ أنَّهُ جاء كقراءة ابن عامرٍ :﴿ مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ ﴾ [ النساء : ٦٦ ]، بالنَّصْبِ مع تقدُّم النفي الصَّريح.
وهناك تخريجٌ آخرُ لا يمكن هنا.
والثالث : أنه مستثنى منقطعٌ على ما تقدَّم عن أبي شامة.
وقال الزمخشري :« وفي إخراجها مع أهله روايتان، روي أنَّه أخرجها معهم، وأمر أن لا يلتفت منهم أحدٌ إلاَّ هي، فلمَّا سمعتْ هدَّة العذاب التفتت وقالت : يا قوماه، فأدركها حجرٌ فقتلها، وروي أنه أمر بأن يخلِّفها مع قومها فإنَّ هواها إليهم ولم يَسْرِ بها، واختلاف القراءتين لاختلاف الروايتين ».
قال أبُو حيَّان :« وهذا وهمٌ فاحشٌ، إذْ بَنَى القراءتين على اختلاف الروايتين من أنَّه سرى بها أو لم يسر بها وهذا تكاذبٌ في الإخبار، يستحيلُ أن تكون القراءتان - وهما من كلام الله تعالى - يترتبان على التَّكاذُبِ ».
قال شهابُ الدِّين :« وحاش لله أن تترتب القراءتان على التَّكاذُبِ، ولكن ما قاله الزمخشري صحيحٌ، الفرض أنَّهُ قد جاء القولان في التفسير، ولا يلزم من ذلك التَّكاذبُ؛ لأنَّ من قال إنَّه سرى بها يعني أنَّها سرتْ هي بنفسها مصاحبةً لهم في أوائل الأمر، ثمَّ أخذها العذابُ فانقطع سُراها، ومن قال إنَّه لم يسر بها، أي : لَمْ يأمرها، ولم يأخذها، وأنَّهُ لم يدُم سراها معهم بل انقطع فصحَّ أن يقال : إنَّهُ سرى بها ولم يَسْرِ بها، وقد أجاب النَّاسُ بهذا، وهو حسنٌ ».
وقال أبو شامة :« ووقع لي في تصحيح ما أعربه النحاةُ معنى حسنٌ، وذلك أن يكون في الكلام اختصار نبَّه عليه اختلاف القراءتين فكأنَّهث قيل : فأسر بأهلك إلاَّ امرأتك، وكذا روى أبو عبيد وغيره أنها في مصحف عبد الله هكذا، وليس فيها :» ولا يلتفتْ منكمْ أحَدٌ « فهذا دليلٌ على استثنائها من السُّرَى بهم ثم كأنه سبحانه وتعالى قال : فإن خرجتْ معكم وتَبعتْكُم - غير أن تكون أنت سريتَ بها - فانْهَ أهلك عن الالتفات غيرها، فإنَّها ستلتفت فيصيبها ما أصاب قومها، فكانت قراءة النَّصب دالَّة على المعنى المتقدم، وقراءةُ الرَّفعِ دالَّةٌ على المعنى المتأخر، ومجموعهما دالٌّ على جملة المعنى المشروح ».
وهو كلامٌ حسنٌ شاهدٌ لما ذكرته.
قوله :﴿ إِنَّهُ مُصِيبُهَا ﴾ الضَّميرُ ضمير الشَّأنِ، « مُصِيبُهَا » خبرٌ مقدَّم، و « مَا أصَابَهُمْ » مبتدأ مؤخَّر وهو موصولٌ بمعنى « الذي »، والجملة خبرُ « إنَّ » ؛ لأنَّ ضمير الشَّأنِ يُفسَّر بجملةٍ مصرَّحٍ بجزأيها.