وأعرب أبو حيان :« مُصِيبُهَا » مبتدأ، و « مَا أصَابهُمْ » الخبر وفيه نظرٌ من حيثُ الصَّناعة : فإنَّ الموصول معرفة، فينبغي أن يكون المبتدأ :« مُصِيبُهَا » نكرةً؛ لأنه عاملٌ تقديراً فإضافتهُ غير محضةٍ، ومن حيث المعنى : إنَّ المراد الإخبار عن الذي أصابهم أنه مُصيبها من غير عكس ويجوز عند الكوفيين أن يكون « مُصِيبُهَا » مبتدأ، و « ما » الموصولةُ فاعلٌ لأنَّهم يجيزون أن يفسَّر ضميرُ الشَّأن بمفرد عاملٍ فيما بعده نحو :« إنَّهُ قائمٌ أبواك ».
قوله :﴿ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ﴾ أي : موعد إهلاكهم. وقرأ عيسى بن عمر « الصُّبُح » بضمتين فقيل : لغتان، وقيل : بل هي إتباعٌ، وقد تقدَّم البحثُ في ذلك [ الأنعام : ٩٦ ].
قوله :﴿ فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا ﴾ قيل : المراد حقيقتهُ، وقيل : المرادُ بالأمر العذابُ، قال بعضهم : لا يمكن حملهُ هنا على العذاب؛ لأن قوله :﴿ فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا ﴾، فالجعل هو العذاب فكان الأمر شرطاً، والعذاب الجزاءُ، والشرط غير الجزاء، فالأمر غير العذاب، فدلَّ على أن الأمر هو ضدُّ النهي؛ ويدل على ذلك قول الملائكة :﴿ إِنَّا أُرْسِلْنَا إلى قَوْمِ لُوطٍ ﴾ [ هود : ٧٠ ] فدل على أنَّهم أمروا بالذهاب إلى قوم لوط بإيصال العذاب إليهم.
فإن قيل : لو كان كذلك، لقال :« فلما جاء أمرنا، جعلوا عاليها سافلها »، لأن الفعل صدر عن المأمور.
فالجواب : أن فعل العبد فعل الله تعالى، وأيضاً : فالذي وقع إنَّما وقع بأمْر الله، وبأقداره، فلا يمتنع إضافته إلى الله تعالى؛ فكما يحسُنُ إضافتهُ إلى المباشرين، يحسنُ إضافته إلى المسَبِّب.
قوله :﴿ عَالِيَهَا سَافِلَهَا ﴾ مفعولا الجعل الذي بمعنى التَّصْيير، و « سِجِّيلٍ » قيل : هو في الأصل مركَّب من « سنك وكل » وهو بالفارسيَّة حجر وطين فعُرِّب، وغُيِّرت حروفهُ، كما عرَّبُوا الدِّيباج والدِّ ] وان والاستبرق. وقيل :« سِجِّيل » اسمٌ للسَّماء، وهو ضعيفٌ أو غلطٌ، لوصفه ب « مَنْضُودٍ ». وقيل : من أسْجَلَ، أي : أرسل فيكون « فِعِّيلاً »، وقيل : هو من التسجيل، والمعنى : أنه ممَّا كتب الله وأسجل أن يُعذَّب به قوم لوط، وينصرُ الأول تفسيرُ ابن عبَّاسٍ أنَّهُ حجرٌ وطين كالآجر المطبوخ وعن أبي عبيدة هو الحجر الصُّلب. وقيل :« سِجِّيل » موضع الحجارةِ، وهي جبالٌ مخصوصة. قال تعالى :﴿ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ ﴾ [ النور : ٤٣ ].
قال الحسن : كان أصل الحجر هو الطين فشددت.
و « مَنضُودٍ » صفةٌ ل « سِجِّيلٍ ». والنَّضد : جعلُ بعضهُ فوق بعضٍ، ومنه ﴿ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ ﴾ [ الواقعة : ٢٩ ] أي : متراكب، والمراد وصفُ الحجارة بالكثرة.
« مُسَوَّمَةً » نعتٌ ل « حِجَارة »، و حينئذ يلزمُ تقدُّمُ الوصف غير الصَّريح على الصَّريح لأنَّ « مِنْ سِجِّيل » صفةٌ ل « حِجَارة »، والأولى أن يجعل حالاً من « حِجَارة »، وسوَّغ مجيئها من النكرة تخصُّص النكرة بالوصف.


الصفحة التالية
Icon